التصعيد التجاري بين الصين وأمريكا فرصة ذهبية أمام الهند لحصد المكاسب
مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين على خلفية الرسوم الجمركية الضخمة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على بكين وردت عليها الأخيرة بالمثل، تلوح في الأفق أمام الهند فرصة ذهبية لإعادة التموضع على خريطة سلاسل التوريد العالمية.
ففي الوقت الذي تسعى فيه شركات عالمية إلى التخلص من الاعتماد على السوق الصينية هروبا من أتون الرسوم الجمركية الباهظة، تبدو الهند مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لتكون بديلا تصنيعا واستثماريا، إن أحسنت استثمار اللحظة.
الهند، خامس أكبر اقتصاد في العالم، تعد منافسا طبيعيا لاستيعاب جزء كبير من التحول الراهن في مسار التجارة والاستثمار العالميين.
بلغت حصة الهند من صادرات الصناعات التحويلية العالمية 2.1% العام الماضي، ارتفاعا من 1.7% عام 2019، وفقا لبيانات البنك الدولي، ما يعكس مسارا تصاعديا ثابتا. ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول 2030، إذا نفذت الهند الإصلاحات المرجوة.
انتعاش ملحوظ
شهد قطاع التصنيع الهندي انتعاشا ملحوظا هذا العام، مدفوعا بزيادة الطلب على الصادرات، خاصة من الولايات المتحدة، وفقا لما قاله لـ"الاقتصادية" الدكتور مايكل كريس، أستاذ الاقتصاد الآسيوي.
وارتفع مؤشر بنك "إتش.إس.بي.سي." لمديري المشتريات في منتصف الشهر الجاري إلى أعلى مستوى له منذ عام عند 58.4 نقطة، ما يشير إلى نمو قوي في الإنتاج والتوظيف، بحسب كريس.
عزا أستاذ الاقتصاد الآسيوي هذه الطفرة جزئيا إلى زيادة طلب الشركات الأمريكية على المنتجات الهندية، كبديل عن السلع الصينية، إذ باتت السلع التي تنتجها الهند أرخص نسبيا من منافستها الصينية بسبب رسوم ترمب الجمركية.
تشير البيانات إلى أن الهند بدأت تجني بالفعل ثمار هذا التحول، فقد ارتفعت صادراتها من المنسوجات إلى الولايات المتحدة 17%، في حين زادت صادرات الإلكترونيات 28% في الربع الأول من هذا العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. تجاوزت صادرات الهواتف المحمولة الهندية حاجز 22 مليار دولار، مقارنة مع 250 مليون فقط قبل نحو 10 سنوات.
جذب الاستثمارات
لا تعوّل الهند على زيادة صادراتها إلى الولايات المتحدة فحسب، بل تظهر في الوقت ذاته اهتماما كبيرا بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحديدا من الولايات المتحدة.
فمع سعي شركات مثل "آبل" و"سامسونج" و"تسلا" إلى تبني إستراتيجية "الصين +1"، تعد الهند بديلا مقعنا للصين، بوصفها سوقا استهلاكية كبيرة.
يظهر تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن الهند ثاني أكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر في آسيا بعد الصين، حيث جذبت 74 مليار دولار، وفقا لما قاله لـ"الاقتصادية" دي.سي. بروس، الخبير المتخصص في الاستثمار.
يتوقع بروس ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الهند 10% هذا العام على أساس سنوي، بفعل انتقال الشركات إليها "ما يعكس ثقة المستثمرين في البيئة الاقتصادية الهندية وقدرتها على استيعاب الاستثمارات في قطاعات متنوعة".
خطر "البيروقراطية"
قد تهدد "البيروقراطية الهندية" قدرة البلد الآسيوي على اقتناص هذه الفرصة النادرة، وفقا لما ذكره الخبير الاقتصادي راج سنها في حديث لـ"الاقتصادية".
وقال: "بينما تصدر فيتنام، ذات المئة مليون نسمة، ما تزيد قيمته على 50 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، ما زالت صادرات الهند أقل من ذلك بكثير بسبب تعقيد الإجراءات الإدارية، رغم تجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة".
بينما تمثل قوانين العمل المعقدة والبيروقراطية وأنظمة الضرائب غير المتسقة بين الولايات الهندية، عوائق أمام اقتناص الفرصة الذهبية، فإن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تعمل على التخلص منها، غير أن عامل الوقت يمثل عنصرا حاسما.. فالفرصة المتاحة قد لا تظل هكذا إلى الأبد.
إذا نجحت الحكومة في التحرك السريع والحازم، فلن تكون الهند مستفيدا بارزا من الحرب التجارية الحالية فحسب، بل ستبرز أيضا كركيزة للاستقرار الاقتصادي العالمي في الأجل الطويل.