برنامج التحول الوطني .. والشركات الحكومية
لا شك أن برنامج التحول الوطني نقطة مفصلية في مسار التنمية الوطنية وبناء الدولة ومؤسساتها على نحو يمكننا من ارتقاء سلم التنافسية والتطوير الاقتصادي والصناعي والثقافي. وتنبع أهمية برنامج التحول الوطني من أنه يفتح لنا - كمجتمع ينشد الانطلاق لآفاق أوسع من التطور - نافذة نطل منها على المستقبل، ويجعلنا نعد العدة له بوعي وإدراك وتلبية استحقاقات المرحلة القادمة أو كما اتفق على تسميته "مرحلة ما بعد النفط". ويلزم في خضم الحماس نحو رؤية جديدة لاقتصادنا ومجتمعنا ـــ وهو أمر مستحق ـــ لا بد من إدراك أن هذا التحول في حقيقته إحداث تغيير، وأن هذا التغيير جذري له تكلفة، ويأتي على رأسها ترشيد القرارات سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد، والتقيد بإطار سياسات وإجراءات محددة، وتطبيق الحوكمة والاعتماد في تقييم الأداء المؤسسي على التأثير النهائي، وما يضيف قيمة إلى الاقتصاد الوطني.
إن وضع رؤية مستقبلية هو في الواقع يعكس رغبة في صناعة المستقبل، مستقبل يحفظ للأجيال القادمة حقها من التنمية والقدرة على العيش الكريم، وفي ذات الوقت تمكين الدولة من تعزيز قدراتها باستدامة وبتوازن بين جميع مناطقها. والرؤية هي البوصلة التي توحد الجهود نحو بناء الوطن لتنصهر جميع مكونات المجتمع الرسمية والشعبية في اتجاه واحد، لتحقيق الأهداف الاستراتجية العليا للوطن. وعلى أن توحيد الرؤى والعمل التشاركي شرط أساس في انطلاقة العمل التنموي الوطني، إلا أن تحويل تلك الرؤى إلى مشاريع على أرض الواقع يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه تنفيذ الاستراتيجية الوطنية. والحقيقة أن الذي يحدد نجاح أي استراتيجية هو القدرة على التنفيذ بكفاءة وفاعلية، وهذا يتطلب آليات عملية للتنفيذ، وفي ذات الوقت التزاما تاما بمعايير وإجراءات التنفيذ. والحديث عن آليات التنفيذ في هذه المرحلة هو في إطارها الواسع من خلال منظومة إدارية واقتصادية، يتم من خلالها توزيع الأدوار بين مكونات المجتمع ومؤسساته في تناغم يصب في اتجاه بناء الدولة الحديثة.
وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن القطاع الحكومي هو من يقود التنمية ويوجهها بينما يتولى القطاع الخاص التجديف. ولأن القطاع الخاص في هذه المرحلة لم يبلغ مستوى كافيا من النضج يتناسب مع الرؤى الطموحة لبرنامج التحول الوطني فإن إحدى الآليات المهمة في العملية الإنتاجية هي الشركات الحكومية التي تجمع بين تحقيق المصلحة العامة وكفاءة العمليات التشغيلية لإدارة الأعمال. وقد تكون تجربة شركة سابك المميزة حاضرة كنموذج وطني ناجح بكل المقاييس للشركات الحكومية في السعودية. إن المحرك الأساس لأي نظام إداري أو اقتصادي هو مقدار البواعث التي تمنح للأفراد في المجتمع من خلال مؤسساته، مرتبطة بمقدار إنتاجية الفرد، ومن هنا قد يكون من المهم ليس التركيز فقط على زيادة الإنتاجية والدخل الوطني، ولكن أيضا توزيع الدخل بكفاءة بما يحقق الربط بين الدخل والإنتاجية والعدالة الاجتماعية. أما فيما يتعلق بإعادة هيكلة الاقتصاد فلا بد من التحول من مفهوم المصانع كوحدات إنتاجية منفردة إلى مفهوم الصناعات، حيث تكون هناك منظومة صناعية هرمية مكونة من مصانع صغيرة تكون رافدا للمصانع المتوسطة ومخرجاتها، تكون مدخلات للمصانع الكبيرة. وهذا يعني أنه لا بد من أن تكون هناك نقلة نوعية في هيكل الصناعة من الصناعات الاستهلاكية إلى الصناعات التحويلية الرأسمالية. هذا التحول سيفيد في تنمية قطاع التصدير الذي هو مرتكز التنمية الاقتصادية والتطور الصناعي.
إن برنامج التحول الوطني نجح قبل أن يبدأ، لأنه أثار نقاشات على مستوى عال وفي أفق أرحب يلامس قضايا حساسة ومهمة للغاية وسيوجد ثقافة جديدة لها تداعيات إيجابية في جميع المناشط الاقتصادية والاجتماعية. إنه التفكير في المستقبل وتنويع القاعدة الاقتصادية والتنمية المستديمة وتقويم أداء العمل المؤسسي وتطبيق الحوكمة. إنه إدراك لهويتنا ومقدراتنا ومكتسباتنا وثوابتنا الوطنية واستقرارنا الذي سيضمن ـــ بإذن الله ـــ أن ننطلق نحو العالم الأول. دعائي بأن يحقق البرنامج أهدافه، وأن تتحول المملكة إلى بلد صناعي ينافس عالميا، وأن يديم عليها الأمن والأمان في ظل الحكم الراشد والبيعة الشرعية والقيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـــ أيده الله ـــ بنصره.