ورحل عبدالله الملحوق!
ينتمي الشيخ عبدالله الملحوق، الذي غادرنا قبل أيام إلى رحمة ربه ورضوانه، إلى جيل الرواد في الصحافة والطباعة، إذ أسّس قبل أكثر من 55 عاماً مع عددٍ من أصدقائه شركة الخط للطباعة، والتي استقدمت إلى المنطقة الشرقية أول ماكينة طباعة، دارت عجلاتها لتطبع أول صحيفة في المنطقة "أخبار الظهران" التي صدرت عن شركة الخط، وتولى رئاسة تحريرها في بداياتها الشيخ عبدالله الملحوق، قبل أن يغادر إلى بيروت للعمل مسؤولاً إعلامياً في السفارة السعودية هناك، وليعهد للشيخ عبدالكريم الجهيمان تولي رئاسة التحرير بديلاً عنه.
درس الملحوق في مصر ضمن البعثات السعودية التي غادرت البلاد باكراً، وكان من زملائه في الدراسة هناك الشيخ حمد الجاسر، الذي زامله أيضاً في مهنة التعليم في المنطقة الشرقية، حينما تعيّن الملحوق معلماً في مدرسة أرامكو، زميلاً للشيخ عبدالعزيز السنيد وآخرين.
من هذه الرحلة المبكرة إلى مصر والدراسة هناك، تأثر الملحوق بما شاهده واستوعبه وقرأه، لذلك كانت همته وطموحه، حينما أسّس أولى خطوات النشر والصحافة والطباعة في المنطقة الشرقية. وقبلها وفي عام 1951 تقريباً، أسّس في بيروت "المكتب السعودي التجاري" كدار نشر وطباعة، إذ طبع مجلة اليمامة، التي كان يصدرها الشيخ حمد الجاسر، وكان الشيخ الملحوق يتولى إدارة المكتب ويساعده عبدالكريم الجهيمان. وكان من مهام المكتب أيضاً متابعة شؤون الطلبة السعوديين الذين كانوا يتلقون العلم في الجامعات والمعاهد اللبنانية وتسهيل مهامهم وتذليل ما يعترضهم من صعوبات.
الدور الريادي للشيخ الملحوق في مجال التعليم والصحافة والنشر لم يكتب بعد! ولربما أن مهامه وأعماله التي تلت هذه البدايات، والتي برز فيها واشتهر قد حجبت جهوده وأعماله عن الآخرين. فعرف الملحوق سفيراً، خاصةً في العقود الأربعة الأخيرة، حينما بدأ أولى محطات عمله سفيراً في الخرطوم عام 1968 ليتعرض بعد سنوات إلى امتحانٍ صعبٍ رهيبٍ، واجهه وزوجته ببسالة، حينما هاجم مسلحون في عام 1973 منزله وكانت لديه مأدبة عشاء حضرها عدد من السفراء والدبلوماسيين، إذ عمد المسلحون إلى قطع الكهرباء عن المنزل ودخلوا ملثمين يفتشون في الوجوه، واحداً واحداً، بحثاً عن سفراء معينين لخطفهم. وقد تناولت الصحف السودانية هذه العملية الإرهابية بالتغطية الشاملة، في الأيام التالية للهجوم.
الرحلة الدبلوماسية للشيخ الملحوق طويلة ومثيرة، بدأها بالعمل مسؤولاً إعلامياً في السفارة السعودية في لبنان، وكانت بيروت في تلك الفترة هي الرئة التي يتنفس من خلالها العالم العربي! وكانت المحطة التي يتوقف فيها الدبلوماسيون والصحافيون والممثلون والمثقفون ويجدون في أجوائها مايحلمون به أو يبحثون عنه. وفي ظل هذا المناخ شكّّّّّّل الملحوق علاقات واسعة مع عدد من المثقفين العرب والصحافيين، نظراً لطبيعة عمله في السفارة، وكذلك هوايته ومحبته للصحافة والثقافة، لينتقل بعدها إلى السودان سفيراً ثم إلى الجزائر عام 1974 وأخيراً إلى اليونان عام 1980 والتي بقيَ فيها سفيراً لمدة سبعة عشر عاماً، ليتقاعد بعدها ويعود إلى الرياض، قرير العين بما قدمه وحققه لوطنه ومواطنيه.
عبدالله الملحوق من الجيل السعودي الذي عشق لبنان، وأحب أرضه وأهله، يوم أن كان لبنان يستحق العشق والحب، قبل أن تفرقه طوائفه إلى حروب وصراعات! وقد توّج الملحوق حبه للبنان بالزواج من إحدى فتياته، وهي السيدة عصمت الحجار، التي تعرف إليها أثناء عمله في السفارة، ليقررا الزواج، وتعيش معه، زوجةً ورفيقةً، في كل محطاته ودروبه. وقد قدمت في كل المحطات أنموذجاً متميزاً في البذل والعطاء والعمل الخيري التطوعي في مجال الطفولة والأمومة ومساعدة المعوقين والعجزة، ونالت بذلك شهادات شكر وتقدير.
رحم الله عبدالله الملحوق وأسكنه فسيح جناته.