تقنين التعدد
في البداية لابد من توضيح معنى التقنين، فهو عملية تنظيم وترتيب القوانين وصياغتها بطريقة مرتبة واضحة وسهلة، ووضع قانون فيما ليس له قانون كالمسائل الاجتهادية التي يجري عليها الخلاف مع الاستمرار في مراجعتها لاستدراك ما استجد وما غاب عن التنظيم، وليس ما يفهمه البعض أنه تغيير الأحكام الشرعية أو إلغاؤها. التقنين ليس وليد اليوم، فقد جرى تقنين بعض الأحكام في العهود الإسلامية السابقة بعد عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحاجة إليه اليوم أشد لتعدد المحاكم والقضاة وكثرة القضايا وتشعبها، وحتى تتماشى الأحكام والأنظمة مع العصر الحاضر بما يتواءم مع صلاحية الشرع لكل زمان ومكان.
التعدد أحد أهم الأحكام المتعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية، شرع كحل اجتماعي إنساني وليس مجرد تلبية لنزوة أو إشباع رغبة. مهما ذكر من إيجابياته يظل كغيره من الممارسات التي لا تخلو من سلبيات وظلم خاصة على المرأة والأطفال وبالتالي على المجتمع. العديد من مخرجات التعدد الحالية التي تخالف الهدف من مشروعيته تجعل من تقنينه ضرورة إنسانية ومجتمعية، فالبيوت المكتظة بأطفال في أسنان متقاربة بلا رعاية كاملة ثم بعد سنوات أيتام قصر، وتعداد المسن الهرم، والفقير، والعاطل عن العمل، ومن يحمل جينات وراثية لأمراض مستعصية ومستديمة، والتعدد بقاصر، كلها فوضى وعبء على البلد يجب البت فيها وإيقافها. كيف لعاطل أو لمن يعمل في مهنة متواضعة ويعيش على الضمان الاجتماعي وعلى الزكوات أن يرعى بيتين أو أكثر رعاية كريمة ويقوم بحقوقها كاملة؟!
وكما عالج النظام سلبيات الزواج بالأجنبية، يجب أن يعمل القانون على البت في شرط العدل وترجيحه في التعدد قبل وقوعه، فاشتراط القدرة المالية والجسدية والنفسية ووضع حد أقصى لفرق السن بين الزوجين من أهم ما يمكن التحقق منه قبل الإذن بالتعدد لمن يرغبه، قد تبقى القدرات الأخرى غير القابلة للقياس، لكن ما لا يدرك بعضه لا يترك كله.