غياب الكتاب الجديد عن معرض الكتاب
للإنسان حواس خمس: "السمع والبصر واللمس والشم والتذوق". وحواسه هذه هي وسيلته للتعرف على ما حوله، حيث تنتقل المعلومات من خلالها إلى عقله، الذي ميزه الله سبحانه وتعالى به عن سائر مخلوقاته، ليخزنها ويُفكر فيها، ويستفيد من معطياتها. وفي إطار التعلم من الكتب نجد أن حاسة "البصر" هي الحاسة المُستخدمة في قراءتها والحصول على ما تقدمه من معلومات ومعارف. ويُستثنى من ذلك أولئك الذين فقدوا نعمة هذه الحاسة الكبرى، حيث يستخدم هؤلاء حاسة "اللمس" لقراءة الكتب من خلال رموز لغة "برايل" البارزة التي ابتُكرت خصيصاً لهم لتمكينهم من تحصيل المعلومات والمعارف والمهارات المُختلفة.
والكتاب بشكله الورقي المألوف هو حصيلة تقنية معلومات، تجاوز عمرها مئات السنين؛ وهذه التقنية هي تقنية الطباعة. فقد ظهرت آلة الطباعة لأول مرة في ألمانيا عام 1439م، على يد "جوهانز جتنبرج"، وبقيت الأوراق المطبوعة هي الشكل المُعتاد لاحتواء المعلومات من كتب ومجلات وصحف ووثائق وغير ذلك. والزائر لمعرض الكتاب في الرياض هذا الشهر، يجد أن تقنية الطباعة ما زالت مهيمنة على صناعة الكتاب، وأن هذه التقنية تستغل في الوقت الحاضر تقنية الحاسوب المُتقدمة لتهيئة المواد المطبوعة وتسهيل عملية الطباعة وتطوير مردودها وجودتها.
تقنية الحاسب التي كثيراً ما توظف "كمُساعِدة" لتقنية الطباعة، تُقدم في الوقت ذاته أشكالاً جديدة للكتاب. فهي تُعطي الكتاب الإلكتروني الذي يُمكن إظهار كلماته على شاشات الحواسيب وقراءته منها. وهي تسمح من خلال الإنترنت بشراء الكتاب الإلكتروني من مكتبات مُتباعدة حول العالم، وتتيح قراءته من خلال الشاشة بعد ذلك دون الحاجة إلى ورق أو طباعة. وتبقى هنا حاسة "البصر" وسيلة تلقي ما يحتويه الكتاب. لكن هذا ليس كُل شيء.
فكما هو معروف استطاعت التقنية الإلكترونية تخزين الكتب "كصوت" وليس كنص مكتوب، وأتاحت بذلك للإنسان الاطلاع على ما فيها من معرفة ليس فقط عن طريق حاسة "البصر" والقراءة، بل عن طريق حاسة "السمع" والاستيعاب. وتمكنت هذه التقنية أيضاً من تخزين عرض الكتب بالصوت والصورة عند الحاجة. وكانت هذه التقنية تستخدم الأشرطة والأقراص المُمغنطة، ثُم أصبحت تستخدم أقراص الليزر، وبدأت حالياً تستخدم أدوات تخزين إلكترونية خاصة، تُدعى "الفلاش"، توضع ضمن أجهزة سمعية وبصرية تُدعى في الأسواق "إم بي 3، وإم بي 4، وآي بود". ولا تحتاج هذه الأجهزة والأدوات إلى حركة ميكانيكية لتنفيذ عملها، كما أنها تستطيع تخزين أحجام هائلة من المعلومات في مساحات صغيرة للغاية. وهذا ما يجعلها أكثر تقدماً من الأشرطة والأقراص الممُغنطة، وكذلك أقراص الليزر.
ماذا لو رأينا في معرض الكتاب، كُتباً مُخزنة على الأجهزة سابقة الذكر، سواء أقراص الليزر أو "الفلاش". هناك أفلام وأغانٍ تُخزن على مثل هذه الأجهزة، ولكن ماذا عن الكتب. إن وجود الكتب عليها، يسمح بتشغيلها في السيارات، واستغلال الوقت الذي يقضيه الإنسان في سيارته لتلقي المعارف المفيدة. إن كثيراً من الناس يقضون ساعتين أو أكثر في السيارة يومياً، وهم بذلك يستطيعون سماع كتاب واحد، وربما أكثر في الأسبوع، أي أكثر من 50 كتابا في السنة الواحدة. تخيل ـ عزيزي القارئ ـ ثقافة المجتمع عندما يتمكن الإنسان من استيعاب، ليس 50 كتاباً في السنة، بل 20، أو حتى عشرة كتب فقط.
الكتب العامة والمذكرات وبعض الكتب المُتخصصة التي تصدر في كثير من الدول، تصدر ورقياً وتصدر صوتياً أيضاً، لكنها عندما تُترجم إلى العربية تصدر ورقياً فقط. وينطبق ذلك على كتبنا العربية غير المُترجمة أيضاً. ولنا في معرض الكتاب، وفي مكتباتنا التجارية الرئيسة دليل على ذلك. ولعلنا ندعو في هذه المناسبة جميع العاملين في صناعة الكتاب إلى إصدار الكتب، ليس فقط بالشكل الورقي، بل بالشكل الإلكتروني أيضاً، بالصوت المسموع وربما بالصوت والصورة إذا دعت الحاجة إلى عروض مرئية، ففي ذلك تعزيز لثقافة الإنسان وارتقاء بإمكاناته وإمكانات المُجتمع. ولعل ذلك يتحقق في معرض الكتاب القادم, بإذن الله.