مرافق ضرورية لصناعة الأسماك
تبدو تجارة صيد الأسماك في طريقها إلى الزوال في معظم دول العالم، وإن قدر لها أن تبقى فستكون مهنة الصيادين التقليديين حصرا في المدن والقرى الساحلية فقط وبعيدا عن وسائل الصيد الفتاكة، وتبقى مهنا حرفية لسد حاجة هذه المجتمعات الساحلية وضمان شيء من الدخل لها ووظيفة يعمل بها أهالي هذه المجتمعات، وليست هدفا للاستثمار واستقطاب الشركات الاستثمارية الكبيرة والفعالة في قطاع الأسماك، فقد توصلت اللجنة العلمية التي تحضر للقمة العالمية للمحيطات في البرتغال التي ستعقد في الفترة من 1 - 3 آذار (مارس) 2022، أن 90 في المائة من مصايد العالم إما أن تكون قد استنزفت بالفعل وإما أنها لا تحتمل مزيدا من جهد الصيد، حيث يبلغ إنتاج العالم حاليا من الأسماك من الصيد والاستزراع معا 179,000,000 طن "الفاو 2018".
ورصدت "الفاو" أن من عام 1990 - 2018 استقر الصيد الطبيعي من المصايد السمكية إلى حد التوقف في معظم المصايد البحرية الساحلية وأعالي البحار بين 85 و90 مليون طن سنويا بينما أظهرت بعض المصايد الداخلية للأنهار والبحيرات نموا خلال هذه الفترة قدر بـ 14 في المائة، بينما بلغ النمو العالمي في إمدادات المزارع السمكية في الفترة نفسها 1990 - 2018 ما يزيد على 527 في المائة ولا يزال ينمو بقوة لسد فجوة الطلب وازداد معدل استهلاك الأسماك من عام 1990 - 2018 إلى 122 في المائة. من هنا يتبين أن المستقبل الحقيقي لإمدادات الأسماك والمنتجات البحرية والمائية سيكون في تربية الأحياء المائية، أو ما يعرف حاليا بالاستزراع السمكي الذي هو أحد روافد الأمن الغذائي للحصول على البروتين الحيواني، وتشكل المنتجات السمكية 20 في المائة من مصادر البروتين المستهلك عالميا، وتعد المنتجات السمكية غذاء جيدا وصحيا وسهل الهضم، ولذلك اعتمدت رؤية المملكة الاستزراع السمكي ضمن دعائم الأمن الغذائي وبطاقة مستهدفة لإنتاج 600,000 طن بحلول 2030 من المنتجات السمكية المحلية، ويتولى تحقيق هذا الهدف الكبير للبرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية الذي يولي الاستزراع السمكي خصوصا والأسماك عموما جل اهتمامه ومن ذلك عقد مؤتمر دولي في الرياض بعنوان "المؤتمر والمعرض الدولي للثروة السمكية" من 30 كانون الثاني (يناير) 2022.
إن مصايد الأسماك في المملكة كغيرها من مصايد العالم مجهدة، ووصلت في كثير من مناطق المملكة للحدود القصوى من إنتاجيتها، حيث إنها ومنذ أكثر من 40 عاما يتأرجح إنتاجها بين 70 و80 ألف طن سنويا، بينما ينمو قطاع الاستزراع في المملكة، حيث قارب 100 ألف طن 2020 من الأسماك والروبيان ومن المزارع البحرية والمياه الداخلية، وكذلك يزداد استهلاك الأسماك والمنتجات البحرية في المملكة سنويا، حيث وصل عام 2019 نحو 300,000 طن عدا ما يتم استيراده من بودرة الأسماك إلى بعض الصناعات الغذائية وصناعة الأعلاف عموما ولأعلاف الأسماك والروبيان خصوصا.
صناعة استزراع الأحياء المائية كغيرها من الصناعات الزراعية لها متطلبات أساسية مثلها مثل صناعة الألبان أو الدواجن وغيرها من الصناعات الزراعية المتطورة في السعودية وبدونها ودون الدعم السخي الذي شهدته هذه الصناعات آنذاك لا يمكن أن تشهد تطورا سريعا، وهذه المرافق الأساسية اللازمة لقيام صناعة واعدة ومجدية لمربي الأسماك والأحياء المائية عموما تتمثل في المفارخ، ومصانع التجهيز للمنتجات بعد الحصاد، ومصانع أعلاف مختصة تصنع أعلافا لتربية الأحياء المائية حسب الصنف بحرية أو مياها عذبة، ويقوم على تصميم التركيبات العلفية مختصون في تغذية الأسماك والأحياء المائية المستهدفة، حيث تزود المفارخ المنتجين بصغار الأسماك والروبيان والأحياء المائية، ما يسهل مهمة المربي، بل حتى المفارخ يمكن أن تقسم إلى مشاريع متعددة منها لإنتاج البيض الملقح فقط وأخرى لإنتاج اليرقات والأصبعيات ومشاريع حضانة التربية هذه اليوافع إلى الحجم والوزن الذي يناسب المربي لإكمال تربيتها في مشاريع التربية إلى الوزن التسويقي المطلوب، أما مصانع التجهيز فهي للعناية بالمنتجات ما بعد الحصاد في جميع منتجات المزارع السمكية التي حاليا يتم بيعها في مزادات الأسماك في مدن المملكة أو من خلال موزعين بحالتها بعد الحصاد دون تصنيع، ما يقدم منتجا غير مخدوم وغير مجهز المستهلك وفقا متطلباته التي تناسبه، وربما هذه أحد أسباب تدني استهلاك الفرد في المملكة من الأسماك.
كذلك فإن الأعلاف المختصة بالغة الأهمية، حيث إن مصادر الأعلاف لمشاريع تربية الأسماك في المملكة لا تزال تعتمد إما على الاستيراد من الخارج وإما على إنتاجها ضمن مصانع أعلاف غير مختصة، بل تنتج أعلافا للمواشي والأبقار والجمال والدواجن وغيرها وتنتج علائق للأسماك، ما يسهم في عدم توافر جودة حقيقية ومستدامة للأعلاف السمكية ويرفع تكلفة المنتج، حيث تزداد نسبة الهدر الغذائي المفقود ويتأخر النمو وربما يتسبب في منتجات غير جيدة، ولذلك جدير بنا العناية بالعمل على توافر هذه المرافق الأساسية، كي نحقق صناعة سمكية سريعة التطور والنمو وتحقق الجدوى الاقتصادية والأهداف المرجوة في الفترة المقررة بإذن الله.