المياه الرمادية وأوجه استخداماتها

‏الماء هو عنصر الحياة الأول ودونه لن يكون هناك أي حياة قال الله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي". يشمل ذلك الإنسان والحيوان والنبات وترتبط الحياة بوجوده في أي مكان وهو ضروري كذلك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظام البيئي.
وتشتد الحاجة إلى المياه والمحافظة عليها أكثر في المناطق الصحراوية والقاحلة وقليلة الأمطار وعديمة الأنهار والبحيرات، ما يوجب عديدا من الإجراءات والمسؤوليات سواء على الأفراد والمستهلكين أو الجهات المعنية بإدارة موارد المياه والمحافظة عليها وتنمية مواردها فالمستهلك لا بد أن يدرك أن بلدا مثل السعودية يعتمد على المياه العذبة من تحلية المياه البحرية لأكثر من 70 في المائة من احتياجاته الحضرية وتتم تحليتها بتكلفة تصل نحو أربعة ريالات للمتر المكعب وتقدم للمواطن والمقيم بأقل من ربع التكلفة، ما يوجب استخدامها على قدر الحاجة ودون إسراف، كما أن إدارة الموارد المائية والمحافظة عليها وتنمية مواردها توجب العناية بكل جوانب هذا المورد والتوسع في استخدامات الري بالتنقيط والبيوت المحمية لتقليل احتياجات الري وتقليل نسبة التبخر والاستفادة من مياه الأمطار والحيلولة دون وصولها إلى البحار في الأودية المنحدرة من جبال السروات وتهامة والتوسع في إنشاء السدود الركامية والأسمنتية عليها وتغيير مسارات الأودية للمناطق الجافة، بل التوسع في تقنيات الاستمطار للسحب وتحسين المدرجات الجبلية لتكون مصايد للأمطار وموائل لمزيد من إنتاج البن والهيل والزعفران خاصة في مناطق عسير والباحة والطائف وجبال اللوز والعلا.
وتتبنى وتسعى وزارة البيئة والمياه والزراعة ضمن برامج عدة لتحقيق كل هذه المستهدفات ودون تعاون وتكامل دور المستثمرين والمواطنين والمستهلكين، فإن هذه البرامج ستواجه تأخرا في تحقيق أهدافها. والماء من حيث التركيبة الكيميائية يتكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة أكسجين ويصنف خبراء المياه لعدة ألوان، ‏الزرقاء وهي مياه الأنهار وخزانات المياه الجوفية والتكوينات الحاملة لها، مثل تكوين الساق والنيوجين وأم رضمة وغيرها والخضراء وهي مياه الأمطار والسيول والسوداء وهي المياه المستعملة المحتوية على المخلفات البشرية الصلبة والمياه الرمادية وهي المياه المستخدمة منخفضة التلوث التي لا تحتوي على بقايا بشرية أو حيوانية صلبة مثل المياه الخارجية من المغاسل وأحواض الاستحمام والغسالات والمصارف الأرضية للسيول ومياه الوضوء التي لا تحتوي على مواد ‏عضوية، وهذه المياه يمكن إعادة استعمالها من خلال تدويرها لتصبح صالحة للاستعمال بالاعتماد على وسائل معالجة بسيطة ميكانيكية وبيولوجية بحتة، ويمكن الاستفادة من المياه الرمادية بعد معالجتها بشكل كبير في ري مزروعات المسطحات الخضراء في الحدائق والطرقات وإنتاج الزهور وري النباتات ذات المنتجات غير المباشرة للأكل، أي: غير الورقيات، مثل أشجار الخضار والفاكهة ويقدر بعض الإحصائيات أن نسبة المياه الرمادية الناتجة من هذه الاستخدامات تصل إلى 65 في المائة من مجمل المياه المستخدمة في البيوت، لأن المياه الرمادية مردها الاستخدامات البشرية ومن هنا يجب الوعي بأهمية عدم الإسراف فيها والدين الإسلامي الحنيف حث على عدم الإسراف حتى في الوضوء ولو كان الإنسان على نهر جار فضلا عن أن يكون الإسراف في مجالات أخرى، ولا سيما وقد أوردت إحصائية وزارة البيئة والمياه والزراعة لعام 2020‏ أن الطلب على المياه بلغ نحو 16 مليار متر مكعب 15979 ألف م3/ عام 2020 منها ‏23 في المائة للأغراض الحضرية 10 في المائة للأغراض الصناعية و67 في المائة للأغراض الزراعية وتسعى الدولة لمعالجة أكبر قدر ممكن من المياه المستخدمة سواء كانت الرمادية منها أو السوداء من خلال 116 محطة معالجة للصرف الصحي في المملكة، حيث يبلغ حجم المياه المعالجة من خلالها نحو ملياري متر مكعب في العام، أي: 1868573838 م3/ عام 2020 وتبلغ نسبة المياه المعاد استخدامها بعد المعالجة 18.20 في المائة.
إن ترشيد استخدام المياه دليل حضاري ومطلب شرعي وواجب وطني يتكامل مع الجهود الرسمية للمحافظة على المياه وتنمية مواردها، كما أن مبادرة الاستفادة من المياه الرمادية في المجمعات السكنية والاستراحات ومحطات الوقود على الطرق وتجميع هذه المياه ومعالجتها بوحدات بسيطة وغير مكلفة وإعادة استخدامها في التوسع في زيادة الرقعة الخضراء في المملكة، ولا سيما المحطات التي تنتشر في طرقها الشاسعة، ما يحول هذه المحطات والمجمعات السكنية إلى واحات خضراء تسهم في الوصول إلى الأهداف المرجوة من برامج الرؤية التي تهدف إلى تغيير الوجه الصحراوي للمملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي