أزمة جيوسياسية تنذر بأزمة غذائية

بدأ تصاعد الأزمة الروسية - الأوكرانية منذ عدة أسابيع بدءا من الحشود الهائلة الروسية للعتاد والآليات العسكرية ومئات الآلاف من الجنود على حدود أوكرانيا الشرقية والمناورات العسكرية التي شملت مناورات بصواريخ حاملة لرؤوس نووية شملت استنفارا في كل المناطق شمال وشرق وجنوب أوكرانيا، وما تبع ذلك من ردة فعل دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من تهديدات لدول الحلف بزعامة الولايات المتحدة شملت تحريك بعض القوى والعتاد العسكري في مناطق قريبة من خطوط التماس، وإن كان جل تركيز دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو فرض عقوبات اقتصادية خانقة على روسيا هي الأعنف بتقدير المحلليين السياسيين ستشمل شل نظام "السوفت" الذي تعتمده روسيا للحوالات التجارية لمنتجاتها من النفط والغاز والمواد الغذائية وتجميد أرصدتها المباشرة وغير المباشرة، ولا سيما لكبار المتنفذين من ذوي العلاقة بالحكومة الروسية.
وفي واقع الحال حاليا، فإن شللا تشهده المعابر التجارية الروسية - الأوكرانية حتى البيلاروسية وضررا بالغا شمل كل مرافق الاقتصاد الأوكراني وشبه توقف للاستثمارات المحلية، فضلا عن الأجنبية، وبقاء كثير من موظفي القطاعين العام والخاص في منازلهم بعد الاجتياح الروسي.
وكانت قد اشتدت الأزمة بتوقيع الرئيس الروسي في 21 شباط (فبراير) 2022 - 07:45 صباحا، مرسوما بشأن اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين عن أوكرانيا. وجرت مراسم التوقيع على الوثيقتين في الكرملين بحضور رئيسي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، دينيس بوشيلين ودينيس باسيتشنيك. كما وقع بوتين مع بوشيلين وباسيتشنيك على اتفاقين منفصلين حول الصداقة والتعاون والمساعدة بين روسيا من جهة وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك من جهة أخرى، إلى غير ذلك من تداعيات الأحداث وردود فعل أوروبا والناتو، وإعلان الرئيس الأمريكي حظر الاستثمار والتجارة مع هذين الإقليمين اللذين يشملان أصلا انفصاليين مدعومين من روسيا. هذه الإجراءات ستطيل أمد الأزمة الروسية وتدخل في صراع مع الزمن والتهديد والتوتر لمدى طويل كما فعلت روسيا بالقرم الأوكراني وتلقت تهديدات وعقوبات ربما لم تنفذ كثير منها، ما قلل الأثر في الاقتصاد الروسي.
إذا ألقينا النظر على أثر ذلك في الإمدادات الغذائية، نجد أن روسيا هي الدولة الأولى في العالم في إنتاج الحبوب، خاصة القمح، وهي مكتفية من اللحوم والدواجن والزيوت الغذائية والمشروبات، وتستهدف في برنامجها الذي تتولى دعمه الدولة بسخاء لتقديم 75 في المائة من احتياجات المزارعين كافة من البذور، ليصل إنتاجها من الحبوب إلى 140 مليون طن بحلول 2025، إضافة إلى الصناعات الغذائية لمنتجاتها الزراعية، وفتحت موسكو مكاتب تصدير وتعزيز لتجارة موادها الغذائية في 2021 في كل من الإمارات ومصر لتقدم التسهيلات لتسويق منتجاتها وعمل مخزونات للتسويق في هذه الدول. وعززت من تجارتها مع السعودية في الحبوب والصناعات الغذائية، وأفاد رئيس هيئة الغذاء والدواء بأن هناك زيادة ملحوظة في عدد المؤسسات الروسية المعتمدة من "الهيئة" لواردات اللحوم ومنتجات اللحوم والعسل والبيض إلى المملكة، وذلك بواقع ثلاث مؤسسات في 2019 إلى 27 منشأة في 2020، كما زادت الواردات الغذائية الروسية الإجمالية إلى المملكة بأكثر من 25 في المائة في 2020، إذ بلغت نحو 141548 طنا، ما يعكس تطور التجارة السعودية - الروسية، أما أوكرانيا فتعد من أبرز خمسة مصدرين للغذاء لأوروبا، بحسب تقرير المفوضية الأوروبية 2021.
وتصدر أوكرانيا للعالم زيت دوار الشمس، ويعد منتجها الزراعي الرئيسي وتحقق منه عوائد سنويه بلغت في 2021 نحو أربعة مليارات دولار، وتزرع حبوب الذرة على ما يقرب من 60 في المائة من الأراضي الزراعية فيها، وحققت عوائد مماثلة، وأنتجت أوكرانيا 33 مليون طن من القمح في 2021، وكانت سلة الخبز لروسيا إلى بداية 2010، وتمتلك الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني "سالك"، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، شركة كونتينتال الأوكرانية للحبوب بنسبة 100 في المائة؜ وتصدر منتجاتها للمملكة بكميات بلغت 64 ألف طن من القمح 2020. وتحقق أوكرانيا 2.5 مليار دولار سنويا من تصدير القمح، و1.1 مليار دولار من تصدير الخشب، ومليار دولار من تصدير 4.2 مليون طن من فول الصويا، و450 مليون دولار من منتجات الألبان، وتعد أكبر منتج للعسل في أوروبا.
ومن هنا يتبين حجم مساهمة الدولتين في الغذاء للعالم، وتبعا لذلك سيكون حجم المعاناة للدول المستفيدة من هذه المنتجات، ومنها المملكة ودول الخليج العربي ودول الشمال الإفريقي، ما يتطلب وضع الخطط لتقليل الأثر السلبي لهذا التوتر، ومن ذلك تشجيع الزراعة المحلية لهذه المنتجات المستوردة من هاتين الدولتين ما أمكن ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي