الاستفادة من التقنيات الناشئة لتطوير الزراعة ودعم المزارعين
لقد ظل المزارعون يعانون ضعف خدمات ما بعد الحصاد، وتكرار الإفراط في الإنتاج أو نقصه، وانخفاض أسعار محاصيلهم، ونقل المعرفة ونقص الممارسات الزراعية الجيدة، وغياب التسويق الزراعي بمفهومه الشامل والعادل المرتبط بالأسواق وحاجة المستهلكين، ما يعكس حالة عدم التناسق في القطاع الزراعي عموما.
وفي ظل الجهود التي تبذلها الدولة لإعادة تنظيم سلاسل الإمدادات والأمن الغذائي محليا وعالميا، هناك فرصة كبيرة لتطوير هذا القطاع بجميع مكوناته وعناصره المختلفة باستخدام التقنيات الناشئة، كالذكاء الاصطناعي، والبلوكتشين، وإنترنت الأشياء.
إن المشكلات التي يعانيها العاملون في المجالات الزراعية معروفة جيدا لكنها مستمرة، وتحتاج إلى تطوير وتحسين من خلال الاستفادة من الطبيعة المعززة للتقنيات الناشئة التي يمكنها حل كثير من هذه المشكلات بالتدخل التقني، لكسر هذه الحالة الراهنة في المجالات الزراعية المتعددة، النباتية والحيوانية والسمكية.
من خلال الاطلاع على أفضل الممارسات يمكن استخدام التقنيات الناشئة في الزراعة في المجالات التالية:
أولا، مراقبة المحاصيل، كما تستخدم أجهزة الاستشعار وتقنية الأنف الإلكتروني E- nose والطائرات المسيرة والأجهزة الأخرى لإنترنت الأشياء، لرصد ومراقبة التربة ومتطلبات المغذيات الإضافية وتوصيف الأمراض والتوصية بشأن التدابير التحسسية اللازمة.
ثانيا، التحليلات الزراعية التنبئية، كالتنبؤ بالطقس، ووقت الزراعة وجدول الري وما إلى ذلك من العمليات الزراعية، وذلك باستخدام التعلم الآلي.
ثالثا، إدارة سلاسل الإمدادات وهي الأكثر انتشارا، حيث يمكن استخدام "البلوكتشين" ربط المنتجات بهوية المزارع/المزرعة والناقلين والأسواق والمخازن، وإدارة سلسلة التوريد وتخزين بيانات التتبع لعمليات التوريد والتحقق من صحتها من قبل الأطراف المعنية والسماح بإعداد وثائق التفويض، وحل مشكلات عدم تناسق المعلومات، وبالتالي إنشاء سوق للزراعة أوسع ومنضبطة.
التجربة الهندية
أطلق عدد من الشركات العالمية مشاريع تجريبية في الهند للاستفادة من التقنيات الناشئة عبر سلسلة القيمة الزراعية، وقد نجح تطبيق هذا النهج في تحقيق زيادة في متوسط عائدات المحاصيل بـ30 في المائة لكل هكتار. وعلى سبيل المثال:
أولا، تجربة استخدام تطبيق للذكاء الاصطناعي، حيث يقدم النصائح للمزارعين بخصوص تاريخ الزراعة، وإعداد الأرض، والتسميد القائم على اختبار التربة، وتطبيق سماد المزرعة، ومعالجة البذور، والعمق الأمثل للبذر، وما إلى ذلك.
ثانيا، استخدام الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وواجهات برمجة التطبيقات للتعرف البصري في الطائرات المسيرة التجارية لتحليل الصور في الوقت الفعلي.
ثالثا، الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للتنبؤ بمخاطر الآفات.
رابعا، استخدام تقنية الاستشعار من بعد، إلى جانب التصوير عالي الطيف ومسح الليزر ثلاثي الأبعاد، بشركات ناشئة لبناء مقاييس المحاصيل في المساحات الشاسعة.
خامسا، تطوير منصة البنية التحتية الزراعية الرقمية تستخدم مستشعرات إنترنت الأشياء، وقواعد البيانات غير الخاصة بإنترنت الأشياء، وصور الأقمار الاصطناعية / الطائرات المسيرة، لجمع ونقل المعلومات الفورية حول محتوى التربة، والرطوبة، والظروف الجوية وغيرها من المؤشرات وتوفير الوصول إلى التعليم الآلي والخدمات الاستشارية للمجتمعات الزراعية وصيد الأسماك.
تدابير مقترحة لزيادة استخدامها في المملكة
أولا، تحديد الإطار العام لاستخدامات تطبيقات التقنيات الناشئة في الزراعة وخطط التوسع في المجالات الزراعية.
ثانيا، مراجعة المبادئ التوجيهية للخطط والسياسات القائمة ذات الصلة باستعمالات الأراضي ومصادر المياه والشؤون البيئية وإعادة تقويم المبادرات القائمة وإيجاد المعالجات المناسبة للمشكلات عموما.
ثالثا، إنشاء حزمة رقمية للزراعة تسمح بالاستخدام الفاعل للتقنيات الناشئة بدلا من المنصات الإلكترونية "المبعثرة" "زراعي، أنعام، حصر، إرشاد وغيرها" التي تقدم الخدمات للقطاع الزراعي بشكل عشوائي.
رابعا، إنشاء مركز للبيانات الضخمة على سحابة إلكترونية آمنة، لنقل الخبرات والمعرفة داخل القطاع الزراعي وخارجه.
خامسا، التركيز على تنمية مهارات العاملين في القطاع الزراعي وتوعية وإرشاد المزارعين بمكونات التقنيات الناشئة، وتبسيطها لهم ودعمهم.
سادسا، تحسين القدرة المؤسسية للقطاع من خلال تشجيع الابتكار والبحث والتطوير، وتشجيع الدعم التخطيطي للتقنيات الناشئة وريادة رواد الأعمال.
سابعا، تتولى شركة الخدمات الزراعية ـ بعيدا عن بيروقراطية القطاع العام ـ تنفيذ جميع ما سبق كشركة متعددة الأغراض SPV وفق الإطار العام وخطط التوسع في استخدام التقنيات والاستفادة من الشركات الحكومية المتخصصة في المجالات التقنية، لإطلاق جهود حقيقية تربط جميع أطراف القطاع الزراعي "الشركات الزراعية الكبرى وصغار المزارعين ومربي الماشية وصيادين الأسماك وجمعيات المنتجين الزراعيين والأسواق والمنافذ والناقلين والمسوقين"، لتحقيق المنفعة المشتركة بنظام بيئة أعمال تكاملي "وليس تنافسيا".
أخيرا، إن رسم خريطة طريق واضحة المعالم بالشكل الذي يساعد على اعتماد التقنيات الناشئة في المجالات الزراعية، ويمكنها أن توازن بين الطلب المزدوج للاكتفاء والآمن الغذائي من خلال تحقيق معدلات أعلى من الإنتاجية، ومستويات دخل مناسبة للمزارعين عن طريق خفض التكلفة والوصول النوعي إلى الأسواق بأسعار عادلة، سيكون حتما إضافة مهمة ومكملة إلى الجهود التي تبذلها وزارة البيئة والمياه والزراعة، الرامية إلى تحسين قطاع الزراعة وتعظيم الفائدة منه. اللهم حقق الآمال.