التستر في أسواق الذهب .. الخروج من عباءة المستثمر السعودي
(الذهب زينة وخزينة) .. مقولة شهيرة ترددها الأسر السعودية تعطي قيمة جمالية واقتصادية كبيرة للذهب، إلا أنه مع نمو الاستثمارات الكبيرة في هذا القطاع، الذي يعد أحد القطاعات الحيوية، التي تتمتع باستثمارات مالية ضخمة، برزت أساليب التستر في القطاع تتسلل إليه من عدة طرق ينتهجها مخالفون للأنظمة، رغم الجهود الحثيثة، التي تبذلها عدة جهات رسمية للحد من التستر في قطاع الذهب والمجوهرات.
ويعد قطاع الذهب والمجوهرات مغريا لبروز عمليات تستر تجاري بفضل ما يتمتع به من حجم حركة الاستيراد والتصدير للذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة والعديد من المدخلات، التي تدخل في هذه الصناعة أكثر من 68 مليار ريال منذ 2020 حتى سبتمبر من العام الجاري ـحسب بيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، اطلعت عليها "الاقتصادية".
ويلاحظ في أسواق عدد من المناطق المختلفة، ولا سيما الرياض والمنطقة الغربية وجود عدد من الأجانب يعملون في محال الذهب والمجوهرات، رغم قرار توطين المهنة، إلا أن هذا الأمر بدا أقل وضوحا في المنطقة الشرقية، التي يتوارث فيها عدد من العائلات المهنة وتتناقلها أجيالها.
وذلك إلى جانب دخول تجار ومستثمرين من جنسيات عربية وأجنبية لمزاولة عمليات البيع والشراء في السوق، بعد أن حصلوا على جنسيات خليجية مكنتهم من العمل في السوق السعودية، وباتوا يسيطرون على حركة البيع والشراء بشكل لافت، مستفيدين من تسهيلات ومزايا توفرها السوق الخليجية المشتركة لمواطني دول الخليج لمزاولة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية وغيرها من المسارات الأخرى، التي حددتها السوق الخليجية، والتي من بينها حرية الإقامة والتنقل ونقل رؤوس الأموال.
وحتى وقت قريب، يعاني تجار الذهب والمستثمرون السعوديون انتشارا واسعا لورش الذهب، التي تديرها عمالة آسيوية داخل الأسواق والمنازل وغيرها من الأماكن البعيدة عن أعين الرقابة والتفتيش، إلى جانب مخالفين لنظام توطين قطاع الذهب، الذي أقرته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قبل أربعة أعوام.
السوق هدف التجار
وقال لـ "الاقتصادية" مستثمرون وتجار في قطاع الذهب والمشغولات الذهبية، إن القطاع وبفضل استثماراته وعوائده المالية المجزية، جعل منه هدفا لتجار أجانب غير مسموح لهم بمزاولة هذا النشاط، الأمر الذي أثر سلبا في وضع المستثمرين والتجار السعوديين الذين توارثوا النشاط جيلا بعد جيل، مشيرين إلى أن القوة الشرائية العالية في أسواق الذهب المشهورة في المملكة أغرت الأجانب لمزاولة نشاطهم في أسواق الذهب في المملكة.
ووفقا للمستثمرين وتجار الذهب السعوديين، فإن سهولة الوصول عبر منافذ الحدود البرية المشتركة بين المملكة ودول الخليج جعل هناك حركة تجارة نشطة للذهب والمجوهرات أغرت التجار غير السعوديين لمزاولة نشاط البيع والشراء في الذهب متنقلين بين أسواق هذه الدول، والاستفادة من القوة الشرائية العالية في السوق السعودية، ما يحقق ذلك لهم عوائد مالية وأرباحا مجزية تجعلهم يغامرون لممارسة النشاط، وفي كثير من الأحيان بطرق مخالفة بعيدا عن أعين الرقابة.
وأبلغ "الاقتصادية" مستثمر في قطاع الذهب، رفض الإفصاح عن اسمه، أن هناك عددا من المستثمرين الأجانب الذين كانوا يقيمون في السعودية، حصلوا على جوازات سفر خليجية يمارسون من خلالها حاليا عمليات البيع والشراء في الذهب بأسواق المملكة، وذلك بصورة لافتة، ما يتطلب تدخل الجهات المعنية لتقنين هذه الممارسات، التي تضر بالقطاع الذي يستقطب استثمارات وتعاملات مالية ضخمة، وأشاروا إلى أن قرارات التوطين يجب أن تتم مراجعتها وتحديثها باستمرار.
وقال المستثمر ذاته، كانت أسواق الذهب والمجوهرات ولا تزال تعاني انتشار الورش غير النظامية، التي تديرها عمالة آسيوية، أما الآن فهناك جنسيات أخرى شرعت في مزاولة النشاط.
من جانبه، أوضح محمد عزوز، مدير شركة بيت عزوز للذهب والمجوهرات ومن أقدم بيوت الذهب في المملكة، أن السوق السعودية، خاصة قطاع الذهب تعد من أكثر الأسواق جذبا للمستثمرين بفضل القوانين الجديدة والتغيير في مفهوم الاستثمار في الاقتصاد داخل المملكة.
وأضاف، أن هناك مناطق كانت أكثر التزاما بتطبيق قرارات التوطين، خاصة المنطقة الشرقية بفضل أن الاستثمار في قطاع الذهب والمجوهرات تديره عوائل سعودية وتورثه لأبنائها، وعملوا على تطوير نشاطهم بأفضل الأساليب العلمية وتعليم أبنائهم طرق التسويق والبيع والشراء وتثمين قطع المجوهرات.
ويرى عزوز أهمية إعطاء مزيد من التسهيلات في المناطق النائية، حتى يكون هنالك التزام بقرارات التوطين، خاصة أن أبناء تلك المناطق لا يرغبون العمل فيها وفي قطاع الذهب بشكل خاص، مضيفا أن نسبة التوطين قد تجاوزت 50 في المائة، وذلك ليس عدم رغبة في تطبيق قرارات التوطين من أصحاب العمل، إنما قرارات التصحيح للأنشطة التجارية جعلت السوق جاذبة للمستثمرين، وهو ما أسهم في تطوير السوق واستقرارها.
من جانبه، أوضح عبدالهادي المحمد، أحد تجار الذهب، أن هناك عددا من محال الذهب والمشغولات الذهبية في السوق يديرها غير سعوديين، مشيرا إلى أن دخولهم إلى السوق أضر بنشاط التجار السعوديين، مضيفا أن القوة الشرائية في السوق أغرت تجارا غير سعوديين توسيع نشاطهم.
وأشار المحمد إلى أن البعض يأتون من خارج المملكة بتأشيرات زيارة للمملكة، ومن ثم يمارسون نشاطهم في السوق، ونوه إلى أهمية معالجة التحديات، التي تواجه تجار الذهب في مقدمتها قضايا التستر التجاري.
عوائل الشرقية تتوارث التجارة
وبدا من اللافت، أن هنالك عوائل في المنطقة الشرقية، توارثت تجارة الذهب والمجوهرات في المملكة بدءا من عملية التصنيع والبيع والشراء منذ أكثر من 80 عاما، وتنقل هذه التجارة جيلا بعد جيل، ومن أبرز العوائل العاملة في سوق الذهب والمجوهرات النمر، المحمدي، الأربش، والمهنا، وساهمت هذه العوائل في ارتفاع نسب التوطين بالمنطقة الشرقية وبشكل ملحوظ.
وبينت جولة لـ"الاقتصادية" على عدد من محال الذهب والمجوهرات في المنطقة الشرقية، أن أبناء هذه العوائل هم من يديرون المحال، وانخفاض نسبة الأجانب العاملين بالسوق.
434 مخالفة لقرارات التوطين
أمام ذلك، قالت لـ"الاقتصادية" وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إنها أصدرت عددا من القرارات السابقة والتنظيمات لتنظيم نشاط القطاع، وتسعى من خلالها إلى تحسين بيئة العمل في القطاع، ورفع كفاءة العاملين في القطاع واستقرارهم بما يتواءم مع أهداف ومستهدفات الوزارة.
وبينت أن نسبة الامتثال في منافذ بيع قطاع الذهب والمجوهرات بلغت 97 في المائة، مشيرة إلى أنها سجلت 434 مخالفة لقرارات التوطين في منافذ بيع الذهب والمجوهرات.
وأكدت الوزارة حرصها على تطبيق قرارات التوطين في القطاع والتأكد من ذلك، من خلال متابعة التزام المنشآت في منافذ بيع الذهب والمجوهرات بتطبيق قرارات التوطين، بتكثيف الحملات الرقابية الميدانية لمتابعة التزام المنشآت بالتوطين – وتطبيق القرار الوزاري رقم 230530 وتاريخ 29/12/1442هـ، القاضي باشتراط حصول العاملين في منافذ البيع على رخصة عمل مهنية، وفقا للاشتراطات المحددة، موضحة أن عدد الحاصلين على الشهادات المهنية بلغ أكثر من أربعة آلاف عامل.
وأكدت الوزارة قيامها بتحليل بيانات المنشآت وتوجيه الزيارات الرقابية للمنشآت المشتبه بمخالفاتها للنظام.
6.8 ألف سجل لبيع الذهب
وعلى صعيد ذي صلة بالقطاع، أوضحت لـ"الاقتصادية" وزارة التجارة، أن إجمالي السجلات التجارية القائمة لنشاط البيع بالجملة للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة بلغ 2051 سجلا تجاريا، فيما بلغ إجمالي السجلات التجارية القائمة لنشاط البيع بالتجزئة للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة 4720 سجلا تجاريا.
وأشارت الوزارة إلى أن هناك 981 سجلا تجاريا منحتها الوزارة للمستثمرين والتجار لممارسة نشاط استيراد المعادن الثمينة والأحجار الكريمة.
وأكدت أن الفرق الرقابية للوزارة نفذت أكثر من 15.800 زيارة على منافذ بيع الذهب في جميع مناطق المملكة منذ بداية 2022، تم خلالها تحرير 175 مخالفة شملت عدم وجود دمغة، ونقصا في العيار، ونقص بيانات الفاتورة، وعدم إصدار الفاتورة، وتم تطبيق العقوبات النظامية على المنشآت المخالفة.
160 ألف كيلو صادرات وواردات الذهب
وبينت لـ"الاقتصادية" هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، أن واردات الذهب بلغت 125 ألف كيلو جرام من خلال 7606 بيانات جمركية، فيما بلغت صادرات الذهب 34.9 ألف كيلو جرام من خلال 817 بيانا جمركيا، وذلك خلال 2021.
وأوضحت الهيئة أن أبرز الدول، التي تم الاستيراد منها شملت الإمارات، سويسرا، جنوب إفريقيا، فرنسا، والهند، أما أبرز الدول التي تم التصدير لها فشملت سويسرا، الإمارات، الهند، فرنسا، وأستراليا.
عوامل جذب
ويشهد قطاع الذهب ضخ استثمارات وأموال ضخمة يتضح ذلك جليا من خلال بيانات رسمية حصلت عليها "الاقتصادية" من الهيئة العامة للإحصاء، تبين حجم واردات وصادرات المملكة من الذهب والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة وغيرها من مدخلات الصناعة خلال ثلاثة أعوام.
وبلغ إجمالي قيمة واردات المملكة من الذهب والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة وشبه الكريمة وغيرها من مدخلات الصناعة أكثر من 48.334 مليار ريال منذ 2020 حتى سبتمبر من 2022، حيث استوردت نحو 10.874.114 مليون كيلو جرام.
واستوردت المملكة خلال 2020 سبائك ذهب وفضة وأحجارا كريمة، وحليا ومجوهرات من الذهب والفضة والبلاتين وحليا مقلدة من الزجاج والبلاستيك وغيرها من القطع الأخرى، التي تدخل في أنشطة وتجارة القطاع، تقدر قيمتها بنحو 7.173 مليار ريال.
كما بلغت قيمة وارداتها في 2021 نحو 20.439 مليار ريال، في حين بلغت قيمة وارداتها منذ بداية 2022 حتى سبتمبر من العام نفسه 20.722 مليار ريال.
واردات الذهب
ولعل أبرز الدول، التي استورت منها المملكة معادن ثمينة وأحجارا كريمة وشبه كريمة ولؤلؤا منذ 2020 حتى سبتمبر 2022، الإمارات، جنوب إفريقيا، سويسرا، فرنسا، الهند، إيطاليا، الصين، هونج كونج، أمريكا، بريطانيا، ماليزيا، وتايلاند.
وجاءت الإمارات على رأس قائمة الدول التي استوردت منها المملكة بقيمة إجمالية بلغت 3.623 مليار ريال في 2020، تلتها جنوب إفريقيا بقيمة 1.089 مليار ريال، ثم سويسرا بقيمة 487.171 مليون ريال.
كما جاءت الإمارات على رأس القائمة في 2021، بقيمة إجمالية بلغت 12.978 مليار ريال، تلتها سويسرا بقيمة 2.139 مليار ريال، ثم جنوب إفريقيا بقيمة 977.614 مليون ريال.
أما في 2022 جاءت سويسرا على رأس القائمة بقيمة 7.985 مليار ريال، تلتها الإمارات بقيمة إجمالية بلغت 7.787 مليار ريال، ثم جنوب إفريقيا بقيمة 2.108 مليار ريال.
صادرات الذهب والمجوهرات
في المقابل، بلغت قيمة صادرات المملكة من الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة، وبقية مدخلات هذه الصناعة 20.284 مليار ريال خلال الفترة من 2020 حتى سبتمبر من 2022.
وتجاوزت قيمة صادرات المملكة من سبائك الذهب والفضة والأحجار الكريمة وشبه الكريمة والحلي والمجوهرات من الذهب والفضة والبلاتين والحلي المقلدة من الزجاج والبلاستيك وغيرها من القطع الأخرى التي تدخل في أنشطة وتجارة القطاع في 2020 نحو 8.555 مليار ريال، و7.673 مليار ريال في 2021، أما في 2022 حتى سبتمبر الماضي فبلغت قيمة صادراتها 4.056 مليار ريال.
واستفادت عشر دول، وهي الأبرز من صادرات المملكة من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة وشبه الكريمة واللؤلؤ، خلال الفترة من 2020 حتى سبتمبر 2022، حيث شملت الإمارات، سويسرا، أستراليا، إيطاليا، بريطانيا، هونج كونج، ألمانيا، ماليزيا، فرنسا، مصر، الهند، أمريكا، السودان، البحرين، تايلاند، والصين.
وجاءت الإمارات على رأس القائمة المصدر لها في 2020 بقيمة إجمالية بلغت 4.856 مليار ريال، سويسرا 1.916 مليار ريال، أستراليا 1.473 مليار ريال.
أما في 2021 احتلت سويسرا المرتبة الأولى بقيمة إجمالية بلغت 2.855 مليار ريال، تلتها الإمارات 2.119 مليار ريال، ثم الهند 543.867 مليون ريال.
وفي 2022 جاءت الإمارات على رأس قائمة الدول المصدر لها بقيمة بلغت نحو 1.574 مليار ريال، تلتها سويسرا 1.415 مليار ريال، ثم الهند بقيمة 517.061 مليون ريال.
مكة الأكثر نشاطا
وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فإن هناك 51 منشأة عاملة في نشاط البيع بالجملة منتشرة في عدد من مناطق المملكة، واستحوذت مكة المكرمة على النصيب الأكبر من المنشآت بعدد 20 منشأة، المنطقة الشرقية 12 منشأة، الرياض 11 منشأة، ثلاث منشآت في الباحة، اثنتين في الحدود الشمالية، ومنشأة واحدة في كل من المدينة المنورة، القصيم، وحائل.
ووفقا للبيانات، فإن عدد السعوديين الذكور، الذين يعملون في هذه المنشآت بلغ 128 سعوديا، وعدد غير السعوديين يبلغ 279 شخصا، وبالتالي يبلغ إجمالي المشتغلين في المنشآت 407 أشخاص، في حين خلت البيانات لهذه المنشآت من أي عنصر نسائي.
أما المنشآت العاملة في جميع مناطق المملكة، حسب نشاط إصلاح وتعديل المجوهرات، فبلغ إجماليها 181 منشأة، 41 منها في الرياض، 36 مكة المكرمة، 32 منطقة عسير، 27 منشأة في الشرقية، 19 جازان، ثماني منشآت في تبوك، ست منشآت في نجران، أربع في الحدود الشمالية، ثلاث منشآت في المدينة المنورة، اثنتين في الباحة، ومنشأة واحدة في كل من حائل، القصيم، والجوف.