التقنيات الابتكارية الإنسانية «2 من 2»
تطرقت في المقال السابق، وبشكل عام، إلى استخدامات التقنيات الابتكارية والتكنولوجية، خاصة إذا استخدمت في نفع وتقدم وفائدة الإنسان، والأثر الذي تتركه في كثير من المناشط والجوانب الحياتية، حيث وجدنا أثر هذه التطورات في عمليات التواصل الاجتماعي والتقدم والقوة من النواحي الدفاعية والعسكرية والاقتصادية، والقدرة الإبداعية من الجانب الطبي، وفي التغلب على كثير من المشكلات وإيجاد عديد من الحلول والإبداعات التقنية شملت الزراعة والمواصلات والنقل والتعليم وغيرها كثير. إن هذا الجانب الإيجابي المشرق يسهم وبشكل كبير جدا في تطور كثير من الدول وفي تحقيق التنمية المستدامة وأهدافها، وكانت هناك أمثلة بسيطة على ذلك، وكون موضوع التقنيات الابتكارية يشمل أيضا بعض السلبيات والمخاطر إذا ما تمت إساءة استخدامها أو توجيهها لغير أهدافها الإنسانية، ما قد يؤدي إلى خطورتها، وفي بعض الأحيان موجودة أصلا، واستكمالا لذلك سيكون حديث مقالنا اليوم، هو توضيح الجانب السلبي لتلك الابتكارات التقنية، وسأحاول عرض بعض الحلول الاستباقية للتصدي لوقوع مثل هذه السلبيات والمخاطر بشكل عام أو احتماليات حدوثها.
إساءة استخدام التقنيات الابتكارية في أي مجال من مجالات الحياة ستعود بالضرر الأكيد على المجتمعات والدول والبشرية جمعاء، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها تقنيات طائرات الدرونز، أحد الابتكارات المهمة في هذا العصر، وتعود أهميتها إلى عدة نواح فقد تستخدم في الجانب الإيجابي، لتوفير الجانب الأمني إذا تم استخدامها في المراقبة والحماية، وفي جانب الخدمة المجتمعية في النقل والمواصلات، وقد تستخدم في الجانب السلبي إذا ما استخدمت في تنفيذ الأعمال غير الشرعية في التجسس والأعمال الإجرامية بشتى طرقها وأساليبها، ومن الأمثلة كذلك أنظمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تعد أحد الأهم والأسرع انتشارا في عالم التقنيات الابتكارية، وكيف أنها مع ذلك أصبحت سلاحا ذا حدين، نظرا إلى الكم الهائل من البيانات الضخمة التي يمكن امتلاكها والسيطرة عليها، وتحدثت عن ذلك في مقالات سابقة بشيء من التفصيل، حيث تكمن الخطورة والسلبية في إذا ما تم استخدامها وتوجيهها التوجيه الخاطئ، حيث يشكل ذلك تهديدا خطيرا لكثير من المجالات المتعلقة بتلك التقنيات الابتكارية، وقد تشمل هذه التهديدات، على سبيل المثال، الأنظمة المصرفية والمستشفيات والشبكات الكهربائية والبنية التحتية الحيوية المتصلة بالإنترنت وغيرها. ومن الأمثلة على ذلك أيضا في هذا الجانب الأنظمة الروبوتية بشتى أنواعها، خصوصا تلك التي بدأت تظهر دون تحكم بشري، كالروبوتات المستخدمة في الأعمال القتالية أو ما يسمى أنظمة الأسلحة المستقلة الفتاكة، التي تهدد الأمن والاستقرار بشكل عام إذا ما تم استخدامها بشكل خاطئ. والسؤال الرئيس هنا هو كيف يمكننا تقليل هذه السلبيات والمخاطر الكثيرة والمتنوعة في منظومة التقنيات الابتكارية دون أن نخنق الإبداع والابتكار التقني المزدهر والتقدم في عصرنا اليوم؟
تحدثت في محاضرة قبل أيام، عن التقنيات الابتكارية في الجانب الدفاعي، وفوائدها الإيجابية بشكل عام، وأن الاستثمار في التقنيات الابتكارية بات أمرا ضروريا، وكان محور الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وعن الذكاء الاصطناعي التوليدي بالذات، حيث يمكن أن تستخدم هذه التقنيات في عديد من المجالات العسكرية الدفاعية، وإمكانية الاستفادة منها في تطوير وتحليل المعلومات الاستخباراتية والتنبؤ بالتهديدات الأمنية وبالتغيرات المستقبلية في الظروف الجوية والبيئية والاجتماعية التي قد تؤثر في سير العمليات العسكرية والدفاعية، ويمكن الاستفادة منها أيضا في تحديد الخطط الاستراتيجية والتكتيكية بشكل أكثر فاعلية، وفي تطوير أنظمة التعلم الآلي المستخدمة في الروبوتات والأنظمة الذكية للتحكم في الأسلحة والمركبات الدفاعية، وفي تدريب القوات على المهارات العسكرية والتكتيكية المختلفة، وذلك من خلال إنشاء نماذج تفاعلية يمكن للجنود التفاعل معها وتحسين مهاراتهم بشكل كبير، وفي تحسين وتطوير التقنيات العسكرية، من خلال المساعدة في تصميم الأسلحة والمركبات العسكرية وتحسين الأنظمة اللوجستية، وفي تحسين الأمن السيبراني للقوات الدفاعية، كما أوضحت أن إساءة استخدام مثل هذه التكنولوجيا سيعود سلبيا على المنظومة وضربت مثالا بموضوع المخاوف الأخلاقية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء محتوى مزيف واقعي للغاية، ويسهم في نشر معلومات مضللة أو محتوى ضار، وكذلك تطرقت إلى إحدى السلبيات في تلك التقنيات فيما يخص التحكم في الإخراج، فغالبا ما تفتقر نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى التحكم الدقيق في مخرجاتها المتولدة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى كوارث لا يمكن السيطرة عليها.
إن اهتمام السعودية بجانب التقنيات الابتكارية ملموس ومشاهد، كونها قد أطلقت عديدا من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى الريادة العالمية في الابتكارات التقنية، وعديدا من الشركات مثل شركة نيوم التقنية الرقمية، التي من أهدافها قيادة قطاع التقنية الرقمية وبناء الأسس والحلول الابتكارية والمشاريع الإبداعية الضخمة. وأرى أن استغلال هذه الفرص في وضع خطط استراتيجية نحو توجيه المراكز والهيئات التطويرية والبحثية والتصنيعية للاستفادة من ذلك، وتهيئة البنية التحتية لتقنيات ابتكارية إنسانية، من خلال بناء مراكز بيانات ضخمة خاصة بكل قطاع ومجال لاحتواء المعلومات الصحيحة والدقيقة والمحلية، وربطها ببعض كشبكة معلوماتية، لضمان صحة ودقة المعلومة، وسن قواعد وأنظمة لآلية الاستخدام والتحكم تتوافق مع الأنظمة الدولية في هذا الشأن، هو أحد الممكنات والحلول الاستباقية التي ستسهم في التقليل من مخاطر وسلبيات التقنيات الابتكارية، بل ستسهم بفاعلية في تحقيق تنمية وجودة مستدامة في شتى المناحي الحياتية بتقنيات ابتكارية ذات أهداف إنسانية بحتة.