التفاهم الأسري والزواج
تستمر الصعوبات التي تواجه الشباب في بدء حياتهم الزوجية في التراكم، فقد أدت التكاليف الناتجة عن الاهتمام بالمظاهر والشكليات واختيار أغلى الفنادق والقاعات والمبالغة في إلزام الشاب بما يتعدى قدرته، إلى تحول الزواج لحالة من القلق العام لدى الأسرة، وتحولت المسؤولية من الشباب إلى أولياء أمورهم، في حالة غريبة من انتقال المسؤوليات، وهو ما نشر التبلد وتراجع الاهتمام بإعداد النفس للمرحلة التي تعقب الزواج، بما فيها من مسؤوليات ومصاريف جديدة.
أغفل كثير من الأسر التطورات التي أدت إلى ظهور نتائج لم تكن من ضمن مكونات التطور، إنما من تبعاته، بما فيها نتائج الدخول في عالم تمكين المرأة، حيث أبقت الثقافة المجتمعية المسؤولية على الرجل، دون النظر إلى ما اختلف من أحوال اجتماعية خرجت فيها المرأة إلى مكان العمل، وأصبحت كل أحوال الأسرة مربوطة بوظيفة الزوجة والزوج.
استمرت مطالبة الشباب بالقيام بما كان يقوم به من سبقوهم دون النظر إلى مسؤوليات المرأة، بعد التحول المهم في دخلها وقدرتها المالية، كما أن أسرتها ترفض بشكل قاطع أن تتخلى الزوجة عن وظيفتها لمصلحة أسرتها، وهنا تحولت الأسرة إلى السلبية في التعامل مع الأبناء، وإلزامهم بالزواج كجزء مهم من مكونات المجتمع.
لاحظ الجميع ارتفاع سن الزواج للجنسين، فقبل عقدين من الزمان لم تكن تجد شابا في العشرينات غير متزوج، ومع الوقت ارتفع سن الزواج ليتجاوز الـ30 في أيامنا هذه، وهي ظاهرة غير صحية ـ في نظري ـ فبقاء الشاب ضمن المنزل الذي ولد فيه ـ حيث لا يمارس أي مسؤوليات ويبقى همه المطالبة بالخدمات والتجول دون مسؤولية ـ يؤثر سلبا في شخصيته وقدرته على التعامل مع الصعوبات، كما أنه يوجد بيئة من كبار السن الذين يتعاملون مع أطفالهم وزوجاتهم بطريقة أقل حساسية وفهما.
علاوة على العزوف الذي يأتي من الطرف المقابل، فالفتيات يرغبن في إكمال دراستهن، ومن ثم المحافظة على الوظائف التي حصلن عليها، وهذا يعني أن هناك مزيدا من الضغط على الأسرة، وحالة من الإهمال لمجموع الالتزامات الأسرية المفترضة الخاصة بالتربية والتنشئة السليمة للأطفال.
معالجة هذا الأمر ضرورية، تنشأ من داخل المجتمع وقدواته ومسؤوليه، الذين يتعاملون باحترافية مع هذه الإشكالات، ويضعون الحلول التي تقنع من يقلدونهم سواء في تكاليف الزواج أو الإلزام بالزواج، والعناية بالتفاهم الأسري بين الزوج والزوجة في هذا الوضع الصعب.