هل تستطيع إفريقيا معالجة مشكلة تصنيفها الائتماني ؟

الدول الإفريقية تحتاج إلى أكثر بكثير من مجرد وكالة تصنيف ائتماني مستقلة لتحسين وصولها إلى أسواق الديون العالمية

تشكو الحكومات الإفريقية باستمرار من "عقاب إفريقيا" المزعوم فيما يتعلق بالتصنيف الائتماني السيادي، وتشير الأبحاث إلى وجود مبررات لهذه الشكاوى. على سبيل المثال، كشف تقرير صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن القارة تخسر نحو 75 مليار دولار سنوياً بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتكلفة الفرصة البديلة المرتبطة بالإنفاق الذي لا يتحقق.

تتنافس مخصصات خدمة الديون في الموازنات العامة للمنطقة حالياً مع مخصصات الإنفاق على خدمات عامة بالغة الأهمية مثل التعليم والصحة. على سبيل المثال، تنفق كينيا ما يصل إلى 60 % من إيراداتها على سداد الديون فقط.

في يوليو الماضي، أعلن الاتحاد الإفريقي عن عزمه تأسيس وكالة إفريقية للتصنيف الائتماني بحلول 2025، بهدف مواجهة هذا العقاب. وستكون هذه الوكالة مستقلة عن الحكومات وتعمل تحت إشراف وتوجيه "الآلية الإفريقية لمراجعة النظراء" و"بنك التنمية الإفريقي" و"البنك الإفريقي للصادرات والواردات" و"مفوضية الاتحاد الإفريقي".

لكن هل ستتمكن هذه الوكالة الجديدة من تقديم تقييمات أكثر دقة لشركات إفريقيا ومؤسساتها السيادية؟ الإجابة البسيطة هي لا، ما لم تتمكن الدول الإفريقية من تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على تصدير السلع الأولية، وتحقيق درجة أعلى من الشفافية والقدرة على التنبؤ في سياساتها وإدارة المالية العامة.

تقييم لا يعبر عن حالة الاقتصاد

يؤكد منتقدو وكالات التصنيف الائتماني الكبرى أن منهجياتها تمنح مجالاً أوسع للتقديرات الشخصية مما يجب، وتعاقب بشكل غير عادل السياسات الداعمة للنمو في الدول الإفريقية، التي تعزز بالفعل من جدارتها الائتمانية.

علاوة على ذلك، فإن الوجود المحدود لهذه الوكالات في المنطقة يعني افتقارها للمعرفة العميقة باقتصادات القارة. وقد أدت هذه الثغرات مجتمعة إلى عدم انعكاس التقييمات السيادية للمنطقة على أساسياتها الاقتصادية بشكل دقيق. بل إن هذه التقييمات تميل إلى مسايرة التقلبات الدورية، ما يؤدي إلى تحقيق نبوءاتها ذاتياً. فعلى سبيل المثال، تحصل الدول الإفريقية دائماً على تقييمات سلبية خلال الأزمات الاقتصادية العالمية نتيجة تأثيرات الجوار الجغرافي، وليس بسبب تغييرات اقتصادية حقيقية داخلها. هذه التقييمات المنخفضة ترفع تكاليف التمويل دون مبرر، ما يزيد من أخطار التعثر في سداد الديون.

ستتمكن وكالة التصنيف الإقليمية المقترحة من التغلب على هذه التحديات عبر فهم أعمق للاقتصادات الإفريقية والسياسات المحلية، ما سيسهم في وضع معيار جديد تُقيّم على أساسه وكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى.

تصدير السلع الأولية ومشكلة المعلومات

مع ذلك، فإن معالجة هذه النقاط الضعيفة بمفردها لن تغير الأسباب الجوهرية للأخطار، ولن تحل مشكلة الفهم العميق للاقتصادات الإفريقية. فالاعتماد على صادرات السلع الأساسية يجعل الاقتصادات الإفريقية شديدة التأثر بالأزمات الدورية في سوق السلع العالمية. على سبيل المثال، ظل نصيب الفرد من الدخل في المنطقة ثابتاً منذ ذروة دورة السلع الفائقة في 2014. بالتالي، فإن فصل الأداء الاقتصادي للمنطقة عن الطلب العالمي على صادراتها يُعد خطوة حتمية لتجنب التصنيفات السيادية التي تتماشى مع الدورات الاقتصادية أو ترتبط بها.

وإلى جانب الحد من اعتمادها على السلع الأساسية، ستحتاج البلدان الإفريقية والشركات الخاصة أيضاً إلى تحسين صدور البيانات الاقتصادية في الوقت المناسب، فضلاً عن تحقيق إلمام أعمق بالمنهجيات التي تستخدمها شركات التقييم الائتماني. ويتطلب القيام بذلك تحديثاً شاملاً للإدارة الاقتصادية في المنطقة؛ خاصة فيما يتعلق بالمالية العامة واستقرار السياسات.

كما يتضح من الأزمات المالية الجارية في إثيوبيا وغانا وكينيا وزامبيا، لا تزال إدارة المالية العامة في المنطقة ضعيفة. هناك القليل من الشفافية في عملية الحصول على ديون عامة واستخدامها. كما لايمكن التنبؤ بتحصيل الإيرادات، ويرجع ذلك جزئياً إلى تدخلات السياسيين غير المتوقعة. وربما الأهم من ذلك أن عدم وجود إستراتيجيات متماسكة داعمة للنمو يجعل من الصعب على المحللين وضع نماذج موثوقة لقياس القدرة على خدمة الدين في المستقبل على أساس الإدارة الاقتصادية المتوقعة.

الاعتماد على صندوق النقد الدولي

من السمات الأخرى للتصنيفات الائتمانية في إفريقيا التي يجب أن تتغير هو اعتماد وكالات التصنيف الائتماني والحكومات على إشارات الجدارة الائتمانية الصادرة عن صندوق النقد الدولي. فالصندوق ليس في موقع يؤهله لتقديم إرشادات موثوقة في هذا المجال لسببين رئيسين. أولاً، جزء من مهمة صندوق النقد الدولي هو أن يكون الملاذ الأخير في تقديم القروض السيادية للحكومات، ما يخلق مشكلة الخطر الأخلاقي لكل من تلك البلدان والدائنين.

باختصار، تؤدي برامج الإنقاذ التي يقدمها صندوق النقد الدولي، وما يصاحبها من ضمانات بإعادة الهيكلة بطريقة منظمة، إلى تقليل الضغوط التي تدفع الحكومات إلى التزام الإدارة الحكيمة للمالية العامة، وتدفع الدائنين إلى التدقيق الواجب قبل تقديم القروض. ثانياً، تشير الأدلة التاريخية إلى أن التأثير الإيجابي للصندوق على إدارة المالية العامة كان ضئيلاً نسبياً. بعبارة أخرى، فإن السياسات والمؤسسات المحلية لها دور أكبر بكثير من أي نفوذ قد يمارسه صندوق النقد الدولي على الحكومات الإفريقية.

بشكل عام، يُعد تقدم الحكومات الإفريقية في زيادة شفافية اقتصاداتها أمام المستثمرين العالميين خطوة جيدة، وربما تسهم في خفض تكلفة الاقتراض. فإن سهولة الوصول إلى أسواق الائتمان تُعد أمراً حيويا لهذه الدول للاستثمار في البنية التحتية للطاقة والنقل الضرورية لتحفيز النمو. ومع ذلك، لا يمكن للحكومات أن تتنصل من مسؤوليتها في متابعة الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك تنويع قدراتها التصديرية لتشمل منتجات أخرى خارج نطاق السلع الأولية، وزيادة الكفاءة والشفافية في إدارة المالية العامة، وضمان استقرار السياسات.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي