أعماق المحيط .. استثمارات هائلة بإقبال ضعيف مثير للقلق

أعماق المحيط .. استثمارات هائلة بإقبال ضعيف مثير للقلق
"ناشيونال جيوغرافيك"

يعد المحيط مفتاح عمل أنظمة بيئية متعددة، ويضم مجالات غير مستغلة للاستثمارات، مع ذلك عند النظر في استثمارات البنية التحتية المقاومة لتغير المناخ، يركز معظم المستثمرين على المجالات الواضحة.

وتشمل أبرز تلك المجالات، الدفاع ضد الفيضانات، والطاقة المتجددة، والأنظمة الزراعية المقاومة للجفاف، وهذه جميعها مساع معقولة توفر عوائد مالية واجتماعية وبيئية طويلة المدى، كما ذكر موقع المنتدى الاقتصادي العالمي.

تكمن تحت سطح المحيط فرصة استثمارية تفي بجميع الشروط وهي الشعاب المرجانية، ورغم قيمتها الهائلة إلا أن الاستثمار العام والخاص في الحفاظ عليها ضئيل بشكل مثير للقلق.

مع تجاوز الطلب على خدمات النظام البيئي المشتقة من التنوع البيولوجي بنسبة 56% أكثر مما يمكن لكوكب الأرض تجديده، فإن العائدات المحتملة هائلة. ولكن هذه الفرصة الاستثمارية حساسة للوقت، وإذا لم نتحرك الآن، فإننا نخاطر بفقدانها إلى الأبد.

الشعاب المرجانية، التي يشار إليها غالبا باسم "المدن تحت الماء"، هي أنظمة بيئية موجودة منذ 500 مليون سنة تقريبا. وهي مصدر رزق أساسي لما يقارب مليار شخص حول العالم وتدعم حصة كبيرة من الناتج الاقتصادي العالمي. كما تعمل كحواجز ضد العواصف وتحمي البنى التحتية من الأضرار المرتبطة بالمناخ.
ورغم أهميتها، فإن فجوة التمويل الكبيرة تؤخر بشكل خطير جهود الحماية العالمية. وهناك حاجة إلى زيادة كبيرة في الاستثمار للمساعدة في الحفاظ على النظم البيئية للشعاب المرجانية نظرا لتأثيرها الهائل وعوائدها المرتفعة اقتصاديا وبيئيا.

تواجه البلدان الأقل نموا والدول الجزرية الصغيرة النامية حواجز كبيرة في جذب التمويل المناخي بسبب ملفات المخاطر وأعباء الديون. ولكن الأرقام تقدم حجة مقنعة.

توفر الشعاب المرجانية خدمات بيئية تقدر قيمتها بنحو 9.9 تريليون دولار سنويا من خلال مصائد الأسماك والسياحة وحماية السواحل، ما يؤكد أهميتها للأمن الغذائي والمرونة والاقتصاد الأزرق. وهي موطن لأكثر من 25٪ من التنوع البيولوجي البحري.

إضافة إلى أنها تجذب ملايين السياح سنويا وتدعم الشركات المحلية، كما تعمل كصيدليات طبيعية، إذ يبدو أن للمركبات المشتقة من كائنات الشعاب المرجانية مستقبل واعد في علاج أمراض مثل السرطان والزهايمر. لذا فالاستثمار في الحفاظ عليها يفتح الأبواب أمام السياحة المستدامة والبحوث الطبية الرائدة.

وقد بدأت صناعة التأمين في إدراك قيمة الشعاب المرجانية. على سبيل المثال، طور صندوق الشعاب المرجانية في أمريكا الوسطى (MAR) بالتعاون مع تحالف العمل المتعلق بمخاطر المحيطات ومرونتها (ORRAA) وشركة ويليس تاورز واتسون (WTW) برنامج التأمين للشعاب المرجانية في أمريكا الوسطى لدعم جهود التعافي السريع بعد الأضرار الناتجة عن العواصف. حاليا، يغطي برنامج التأمين 10 آلاف هكتار من الشعاب المرجانية ويحمي أكثر من 3.3 مليار دولار من الأصول في المنطقة سنويا.

وفي خضم التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ، يكمن التحدي في توجيه تمويل المناخ نحو المناطق التي تشتد فيها الحاجة إلى استثمارات لمواجهة تغير المناخ. ففي الفترة ما بين عامي 2009 و2018، فقد العالم 14% من الشعاب المرجانية، و90% من الشعاب المرجانية المتبقية الآن مهددة وتواجه احتمالية الانهيار بحلول 2050 إذا لم يتم تسريع العمل.

لتوسيع نطاق الجهود العاجلة، يتعين علينا معالجة الحواجز الرئيسة أمام الاستثمار من خلال تخفيف المخاطر وخلق ظروف مواتية للسوق. إن أدوات التمويل المبتكرة مثل الصندوق العالمي للشعاب المرجانية، بدعم من صندوق الأمم المتحدة لتنمية رأس المال ومرفق تمويل تأثيرات تغير البحار التابع لتحالف (ORRAA)، تمهد الطريق بالفعل.

من خلال دمج الأموال العامة والخيرية لتقليل مخاطر الاستثمارات الخاصة، حقق الصندوق العالمي للشعاب المرجانية نسبة رافعة مالية تبلغ 3 دولارات لكل دولار مستثمر. وعلى نحو مماثل، من المتوقع أن يحقق مرفق الضمان الأزرق الناشئ التابع لتحالف (ORRAA) عائدات تبلغ 5 دولارات لكل دولار مستثمر. يضمن هذا النهج المزدوج تحقيق مكاسب بيئية واقتصادية.

ومع ذلك، فإن هذه الآليات لا تزال في بداياتها. إن توسيع نطاق تأمين الشعاب المرجانية على مستوى العالم، وتطوير سندات المرجان، وتوسيع نطاق الاستثمارات ذات التأثير تعد من بين الخطوات المستقبلية الحاسمة.

وقد أظهر صندوق الأمم المتحدة لتنمية رأس المال والشركاء بالفعل كيف يمكن للمنح التحفيزية أن تطلق العنان لرأس المال المحلي. فمثلا، مكنت منحة من الصندوق بقيمة مليون دولار إطلاق أول سند أخضر في تنزانيا، وجمعت 20.8 مليون دولار من الاستثمارات المحلية.

إن الاستثمار في الشعاب المرجانية ليس عملا خيريا - بل هو قرار تجاري استراتيجي. وهي تمثل فرصة استثمارية لا تتكرر وتتوافق مع مقاييس التمويل المستقبلي: الجدوى الاقتصادية، والتأثير الاجتماعي، والمرونة البيئية. الحلول موجودة، ولكن ما نحتاجه الآن هو القيادة لتوسيع نطاقها.

الأكثر قراءة