انقلاب مواقف قادة الأعمال تجاه ترمب يشعل أجواء دافوس

انقلاب مواقف قادة الأعمال تجاه ترمب يشعل أجواء دافوس
ترمب يتحدث مع الرئيسة التنفيذية لـ"جنرال موتورز" ماري بارا أثناء استضافة الرؤساء التنفيذيين في البيت الأبيض في واشنطن، في 3 فبراير 2017 - بلومبرغ

بدا الأمر وكأن الصقيع قد انقشع عن جبال الألب السويسرية، حيث يتوافد المديرون التنفيذيون في يناير من كل عام للتجمع والتفاخر والتفكير بعمق. التنفيذيون والنخب المجتمعة في دافوس، المدينة التي أصبحت رمزاً للثراء والسلطة، تنفسوا الصعداء جماعياً: أخيراً، انتهى عهد دونالد ترمب.

لكن بعد 4 سنوات، تعود الطائرات الخاصة إلى دافوس، وترمب يعود إلى البيت الأبيض.

"رجل دافوس"، وهو المصطلح المستخدم لوصف الأثرياء المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي، يعشق الأفكار الكبيرة. وهذا العام، هناك فكرة جديدة: احتضان ترمب، وبسرعة، بحماس غير متوقع.

لماذا؟ الجواب بسيط: الأعمال.

يقول لويد بلانكفاين، الرئيس السابق لـ"غولدمان ساكس": "أتذكر ما حدث عندما هرب نابليون من منفاه في إلبا". يشبّه بلانكفاين إعادة ترتيب مواقف التنفيذيين بالقصة الشهيرة حول كيف غيرت الصحف الفرنسية موقفها في عام 1815. في البداية وصفت نابليون بـ"الوحش" و"الغول". ومع اقترابه من باريس، أعلنت الصحف أن "جلالته" قادم.

أضاف بلانكفاين: "على فكرة، ربما يقدّر ترمب هذا التشبيه بنابليون".

مبادئ دافوس
دافوس، معقل العولمة، كان كريماً مع مؤيديه المخلصين. منذ أول تجمع في عام 1971، استفادت أجيال ممن حضر المنتدى، من رؤساء الدول إلى مليارديرات صناديق التحوط وعمالقة التكنولوجيا وغيرهم، من مبادئ العولمة التي يتم التبشير بها هناك. ومن موقعهم على "الجبل السحري"، أعربوا عن قلقهم بشأن التفاوت الطبقي المتزايد أثناء تناول المقبلات، وبشأن انبعاثات الكربون من راحة الطائرات الخاصة الفاخرة.

الآن، مع عودة ترمب، يبدو أن الكثيرين على استعداد لفعل ما يلزم لحماية مصالحهم وتعزيزها. وإذا تطلب الأمر التخلي، ولو مؤقتاً، عن بعض الأفكار التي يحتفي بها دافوس، فلا بأس. الحديث عن المساواة والتنوع والحاجة الملحة لمواجهة تغير المناخ يمكن أن يُؤجل لبعض الوقت.

"يبدو الأمر وكأنك تقول: حسناً، متى كنت تكذب؟"، بهذه الكلمات علّق توم غلوسر، الذي يشغل مناصب بارزة في مجالس إدارة شركات كبرى مثل "مورغان ستانلي" و"ميرك" (Merck)، على التحول المفاجئ في المواقف.

وأضاف غلوسر، وهو من الحاضرين الدائمين في دافوس ومنتقدي ترمب: "بعض المديرين التنفيذيين يشعرون بالارتياح لأنهم لم يعودوا بحاجة إلى ارتداء أقنعة زائفة. سلوكهم وتصريحاتهم ربما أصبحت أقرب إلى حقيقتهم".

التناغم مع ترمب
عندما دخل ترمب البيت الأبيض لأول مرة، سارع كبار التنفيذيين في الولايات المتحدة إلى تهنئته ومحاولة كسب وده. هذه المرة، لم ينتظر الكثيرون حتى يوم التنصيب، فبعضهم بدأ بالتودد مسبقاً، أو كما هو الحال مع مارك زوكربيرغ، كشف بعضهم عن وجوههم الحقيقية. فقد أضاف زوكربيرغ مؤخراً دانا وايت، صديق ترمب ورئيس "منظمة القتال النهائي" (UFC)، إلى مجلس إدارة شركته "ميتا".

على خطى الرئيس السابق والمقبل، اشتكى زوكربيرغ من نقص "الطاقة الذكورية" في الشركات. وكان زوكربيرغ، البالغ من العمر 40 عاماً، قد لفت الأنظار لأول مرة ببرنامج صنف الطلاب بناءً على مظهرهم قبل تأسيس "فيسبوك". كما يخطط لتنظيم حفل تنصيب لترمب إلى جانب المتبرعة الكبرى للحزب الجمهوري، مريم أدلسون.

مع عودة ترمب، يشعر قادة الأعمال في مختلف الشركات بتغير في الأجواء. وقال الملياردير ويلبر روس، الذي شغل منصب وزير التجارة في أول حكومة لترمب: "وظيفة رجل الأعمال ليست تغيير العالم، بل التكيف معه". وأوضح روس أنه شجع ترمب على حضور دافوس في عام 2018 للتعرف بشكل أفضل على قادة الأعمال الذين يحضرون هناك. تبع ذلك بزيارة أخرى في عام 2020 تضمنت مواجهة مع الناشطة البيئية المراهقة غريتا ثونبرغ.

هذا العام، يخطط ترمب لتوجيه خطاب افتراضي لدافوس.

"الجميع يبذل جهوداً كبيرة للتناغم مع ترمب"، حسبما رأى روس.

تراجع القضايا العالمية
هذه الحقائق الجديدة تنعكس على الساحة الدولية، وتحديداً في دافوس، المركز الذي يشتهر بمصطلحات الشركات الرنانة مثل "رأسمالية الأطراف المعنية" و"الشمول الاجتماعي"، حيث اكتسبت هذه العبارات مكانة عالمية. كما تتكرر في دافوس مصطلحات مثل العولمة، والاستدامة، والعمل المشترك. وكان موضوع مؤتمر هذا العام، الذي يُعقد في الفترة من 20 إلى 24 يناير: "التعاون من أجل العصر الذكي".

حتى قبل أن يؤدي ترمب اليمين، بدأت قائمة متزايدة من الشركات الأميركية، مثل "ماكدونالدز" و"ولمارت"، في تقليص مبادرات التنوع والإنصاف والشمول تحت ضغط من اليمين. كما انسحبت البنوك الستة الكبرى في الولايات المتحدة من التحالف الذي ترعاه الأمم المتحدة لتحقيق "صافي صفر" انبعاثات الكربون، وهو التحالف الذي كان يهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون التي ترفع درجات حرارة الكوكب. وفي يوم الجمعة، أعلن الاحتياطي الفيدرالي انسحابه من تحالف عالمي للبنوك المركزية يدرس مخاطر تغير المناخ على النظام المالي، قائلًا إنه ابتعد كثيراً عن مهمته الأساسية.

بعد حفل تنصيبه في 2017، دعا ترمب مجموعة من المديرين التنفيذيين إلى البيت الأبيض، لعقد قمم سياسية أمام الكاميرات التلفزيونية. كثير منهم كانوا يستهزئون به قبل أن يصل إلى المكتب البيضاوي. طلب ترمب من جيف إيملت، الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" آنذاك، أن يروي أمام الحضور قصة المرة التي سجل فيها ترمب هدفاً في ضربة واحدة في لعبة الغولف. كما همس قائلاً "الشوربة لذيذة" لدينيس موريسون، الرئيسة التنفيذية لشركة "كامبلز" (Campbell's) لصناعة الشوربات. وفي إشارة إلى الفوضى التي صاحبت رئاسة ترمب الأولى، تُرك غريغ هايز، الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد تكنولوجيز" (United Technologies)، واقفاً تحت المطر خارج بوابة البيت الأبيض لأن اسمه لم يكن مدرجاً في قائمة الضيوف.

التودد لترمب
في الوقت الحالي، تتوالى مواكب المديرين التنفيذيين لزيارة مارالاغو، مقر إقامة ترمب وناديه الخاص في بالم بيتش. ومن بين الزوار حديثاً: ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، وتيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، وجيمس كوينسي الرئيس التنفيذي لشركة "كوكاكولا".

"إنهم يدركون أنه شخص حساس جداً تجاه النقد ويتأثر بسهولة بالمجاملات،" بحسب جيف سونينفيلد، المستشار البارز للمديرين التنفيذيين في كلية إدارة الأعمال بجامعة "ييل"، والذي كان في بالم بيتش لحضور تجمع لأثرياء خريجي "ييل".

"فورد موتور" و"بنك أوف أميركا"، اللتان أدانتا الهجوم على مبنى الكابيتول الذي نفذه أنصار ترمب في يناير 2021، أصبحتا الآن من بين المساهمين في تمويل حفل تنصيب ترمب، المتوقع أن تكون كلفته الأعلى في التاريخ. كما أن جيف بيزوس وسام ألتمان يقدمان شخصياً تبرعات تزيد عن مليون دولار للحفل.

تبدّل المواقف
"ترمب يتوقع من الأشخاص أن ينحنوا أمامه ليقدموا الولاء الكامل"، حسبما رأى جون كوفي، أستاذ قانون الأوراق المالية في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا.

فيفيك راماسوامي، الناشط المناهض لحركة "الوعي الثقافي" (Woke)، وصف المنتدى الاقتصادي العالمي ذات مرة بأنه "الفاتيكان الخاص بحركة الوعي الثقافي"، ومؤسسه كلاوس شواب بأنه "قديس هذه الحركة". وبالنسبة لراماسوامي، فإن الحاضرين الدائمين في دافوس مثل كوينسي، هم أشبه بـ"الكاردينالات".

هذا الشهر، وبعد 4 سنوات من إصدار "كوكاكولا" بياناً يدين الهجوم على مبنى الكابيتول باعتباره "إهانة لمبادئ الديمقراطية الأميركية"، قدّم كوينسي شخصياً هدية خاصة لترمب، هي أول زجاجة دايت كوك تذكارية مخصصة للرئاسة.

نشر ممثل عن ترمب صورة توثق اللحظة، وكتب: ترمب، الرئيس الـخامس والأربعون والسابع والأربعون للولايات المتحدة، وكوينسي، قائد إحدى أبرز الرموز التجارية الأميركية المعروفة حول العالم، أمام الكاميرا بابتسامة عريضة.

سمات

الأكثر قراءة