خافيير بلاس: سوق النفط السوداء ستستمر في الازدهار
كاتب عمود في مجال الطاقة والسلع في بلومبرغ.
@JavierBlas
ما لم تستعد حكومات الغرب لتحمل ارتفاع الأسعار ستستمر روسيا وإيران وفنزويلا في الالتفاف على العقوبات
قد لا يكون تهريب النفط سهلاً، لكنه يحقق أرباحاً طائلة لدرجة أن تأثير العقبات يقتصر في إبطائه. بالتأكيد، بإمكان الحكومات أن تجعل تجارة الخام غير المشروعة أقل ربحاً، إلا أن تدفقات النفط ستستمر بأي حال في نهاية المطاف.
وهذا ما يحدث، فما تزال روسيا وإيران وفنزويلا، أكبر 3 دول منتجة للنفط خاضعة للعقوبات الغربية، تبيع نحو 16 مليون برميل يومياً من الخام والسوائل النفطية الأخرى. وبافتراض أن الدول الثلاث تبيع النفط بسعر يقل 20% عن أسعار السوق وإجراء الحسابات، يعادل ذلك مليار دولار من النفط يومياً.
%15 من الطلب العالمي على النفط يلبيه شراء الخام الخاضع للعقوبات
أشك في أن أحدث جولة من العقوبات والتعهدات بتشديد تطبيق الحزم السابقة بمقدورها وقف التجارة غير المشروعة. فالإجراءات ستؤدي إلى مزيد من العقبات وتجعل عملية التهريب أكثر صعوبة وربما أقل ربحاً، ما سيدفع البائعين إلى عرض تخفيضات أكبر، لكنها لن تسبب انخفاضاً ملحوظاً في التدفقات، ناهيك عن وقفها تماماً.
أسعار النفط المنخفضة تقوّض تأثير العقوبات
تنطوي هذه التجارة على مبالغ ضخمة وتحقق أرباحاً كبيرة، ما يحفز كل الأطراف المتورطة، من بائعين ومشترين ووسطاء، على البحث عن مسارات بديلة وخدع وأساليب للحفاظ على استمرارها. وبمرور الوقت، يُنهَك منفذو العقوبات، وتزداد خبرة المهربين ودهاؤهم.
ما زاد من صعوبة الأمر هو عدم إجماع الدول على اعتبار النفط الروسي والإيراني والفنزويلي غير مشروع، إذ ترى الصين والهند وعديد من الدول النامية أنه لا يختلف عن غيره.
فضلاً عن ذلك، لدى الدول التي تفرض العقوبات دافع للتساهل مع المهربين يتمثل في استمرار انخفاض أسعار النفط، كما أنه سيتوجب عليها إقناع الدول الأخرى- بالأخص الصين والهند- بأن ارتفاع سعر الخام ثمن بسيط لتطبيق العقوبات. وهناك سابقة لذلك، حيث نجح الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على نفط العراق والكويت في عامي 1990 و1991.
غير أن ما عرفناه خلال السنوات الخمس الماضية هو أن الغرب يفتقر إلى الإرادة السياسية لتحمل ارتفاع أسعار الطاقة، وأن دول "الجنوب العالمي" لا يهمها أن تدعم واشنطن وبروكسل ولندن. كما تراجعت الرغبة السياسية في العقوبات الصارمة بدرجة كبيرة، إلى درجة أن اليابان التي تنحاز إلى جانب الولايات المتحدة في أغلب الأوقات أصبحت تؤيد هذه العقوبات بالتصريحات فقط.
ترمب يشدد العقوبات على النفط الإيراني
يعد المشهد السياسي والاقتصادي عاملاً بالغ الأهمية في فهم ما سيحدث في سوق النفط السوداء خلال الفترة المقبلة، إذ ينصب الاهتمام على روسيا وإيران اللتين تنتجان معاً نحو 15% من إجمالي إنتاج النفط العالمي. وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأسبوع الماضي "مذكرة رئاسية" توجه مسؤولي إدارته بإعادة تطبيق إجراءات "الضغوط القصوى" و"خفض صادرات إيران حتى وقفها تماماً".
من الناحية الصورية، كان هذا إجراءً قوياً. لكن ترمب أضعف تأثير قراره بنفسه عندما أشار -ممسكاً بالقلم خلال التوقيع- إلى أنه "متردد" بشأن المذكرةـ وقال: "يرغب الجميع في أن أوقع المذكرة. سأوقعها لكنني لست راضياً عن ذلك". وإن لم يكف ذلك، فقد أوضح أنه لا يريد التسبب في اضطراب تدفقات النفط في نهاية المطاف، وأضاف: "أرجو ألا نضطر إلى استخدامها".
علاوة على ذلك، كانت الإجراءات الواردة في المذكرة أقل حدة من صيغتها، فأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية بعد أيام في بيان منفصل أنها ستفرض عقوبات على "الشبكة" التي تستخدمها إيران في التهرب من العقوبات الأمريكية على النفط. تكمن المشكلة هنا في أن العقوبات استهدفت ناقلة نفط عملاقة وناقلتين صغيرتين فقط. بينما اعتمدت إيران خلال السنوات القليلة الماضية على أكثر من 500 سفينة في نقل النفط، لم تفرض أي عقوبات على نحو 60% من هذه الناقلات. نفط إيران وجد طريقه إلى الأسواق رغم محاولات منعه من قبل الولايات المتحدة
إنتاج إيران من النفط عند ذروته
لنركز في الفترة الحالية على ناقلات النفط التي تواصل تحميل الخام الإيراني لتصديره. صحيح أن عدداً قليلاً منها يستغرق فترة أطول لإيجاد مشترِ، وأنها تخزن النفط في أعالي البحار حالياً، إلا أنها مسألة وقت، وتخفيض أكبر عن أسعار السوق، قبل أن تشتري جهة ما هذا النفط.
إضافة إلى ذلك، فعند قياس إجمالي إنتاج إيران من النفط، سنجد أنه قرب أعلى مستوى منذ أكثر من 40 عاماً. فلم تعد طهران تنتج الخام فقط- الهدف الرئيسي للعقوبات- بل ومنتجات نفطية أخرى، مثل المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي التي تمكنت من الإفلات من العقوبات بسهولة أكبر. شهد قطاعا المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي ارتفاعاً في الإنتاج خلال السنوات الماضية. وفي ظل هذه العوامل كلها، أنتجت إيران 4.5 مليون برميل يومياً خلال العام الماضي، ما يعد ثالث أعلى مستوى منذ 1978
.
تدفقات النفط الخاضع للعقوبات ستستمر
فُرضت العقوبات على روسيا بعد فترة وجيزة من حرب أوكرانيا، لكن الساسة الغربيين صبوا اهتمامهم على استمرار انخفاض أسعار النفط بدلاً من تقييد الإمدادات. غير أن الرئيس السابق جو بايدن غير موقفه بدرجة ما في أيامه الأخيرة في المنصب، حيث فرض على موسكو العقوبات الأشد صرامة حتى الآن. وبعد انحسار تأثير الصدمة الأولية للعقوبات، عكف المهربون على إيجاد الحلول، واستغرقت روسيا أقل من 25 يوماً للعثور على طرق للالتفاف على العقوبات.
صحيح أنه يتعين على روسيا بيع النفط بأسعار أقل ودفع تكاليف أكبر لنقله، تزداد العقبات، ولم يجد بعض الإنتاج مشترياً حتى الآن، ما يجبر عدداً من الناقلات على التحول إلى محطات تخزين عائمة مؤقتة، لكن بشكل عام، يستمر تدفق النفط.
إنه إخفاق مخزٍ للإجراءات، حيث يختفي التراخي خلف الخطابات الرنانة. وما دامت حكومات الدول الغربية ترفض تحمل ارتفاع أسعار النفط على أنه الثمن المقبول لوقف السوق السوداء، ستستمر قدرة روسيا وإيران وفنزويلا على بيع الخام.
خاص بـ"بلومبرغ"