جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.. جامعة مستقبل أنشئت في الحاضر
في السادس والعشرين من جمادى الآخرة 1427هـ، بشر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، بمشروع إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، تحقيقاً لحلم ظل يراوده، حفظه الله، تجاه صياغة مستقبل أفضل للإنسان السعودي خاصة وللإنسان في المنطقة والعالم بشكل عام. وبعد ما يقرب من أربعين شهراً بات ذلك الحلم حقيقة ماثلة باكتمال إنشاء الجامعة ببلدة ثول على ضفاف البحر الأحمر، وإطلالة الجامعة في أبهى صورة، تصميماً وتنفيذاً، والإعلان عن افتتاحها رسمياً في الرابع من شوال 1430 هـ. وبقدر أهمية الحلم الذي كان.. فقد وُلدت الجامعة شامخة وكبيرة في كل شيء في اسمها وسمعتها التي سبقت افتتاحها، وفي رسالتها وأهدافها، وفي انطلاقتها القوية على أسس سليمة من حيث البرامج التعليمية ومجالات الأبحاث المرتبطة بأحداث التقنيات، وفي اعتمادها على هيئة تدريس من علماء ذوي شأن من أنحاء العالم، واستقطاب ورعاية الطلاب المبدعين والموهوبين، وذلك إلى جانب شراكات التعاون في مجال البحوث مع الجامعات العريقة والمنشآت الصناعية المتقدمة في مختلف أنحاء العالم. فالجامعة بهذه الصورة التي ولدت بها تشكل إنجازاً علمياً شامخاً يختص به هذا العهد الميمون، وتعكس الحكمة البالغة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، التي تلامس حاضر المملكة من منظور مستقبلها البعيد، وذلك لأن من أهم أغراض إنشاء هذه الجامعة حسبما بيَّنه الملك عبد الله، حفظه الله، هو ''التأسيس لقيام اقتصاد معرفي، يهدف إلى تنويع مصادر اقتصادنا الوطني''. وتؤكد هذه المقولة القناعة الراسخة للقيادة الكريمة بأن التنمية المستدامة تكمن أساساً في تعزيز المعرفة وتنويع الموارد بما يضمن للاقتصاد الوطني السعودي القدرة على النمو والتكيف والمنافسة.
ولهذه الجامعة سمات متعددة تميزها عن غيرها من الجامعات الأخرى، فهي جامعة عالمية رائدة، لا تقتصر في هيئتها التدريسية أو طلابها على المملكة، وإنما يجري اختيار الطلاب من المملكة ومن مختلف الثقافات والأعراق من دول العالم المختلفة المتقدمة منها والنامية، ويجري استقطاب العلماء من داخل المملكة وخارجها من ذوي الخبرة والتجربة في مجالات اختصاصهم والمشهود لهم بالتميز في علمهم وأبحاثهم. وهي بذلك تمثل جسراً للتواصل بين الحضارات والشعوب وتلاقح الأفكار والتجارب والثقافات بما فيه خير للوطن والأمة والبشرية عامة. وإلى جانب أن الجامعة هي مؤسسة تعليمية ترتكز على الإيمان بأهمية العلوم والتقنية كمحرك أساسي للاقتصاد والصناعة وتنويع مصادر الدخل، فهي أيضاً تتسم بكونها صرحاً علمياً متخصصاً في الدراسات العليا والأبحاث العلمية، وتعمل على الاستفادة من الإسهام العالمي في تنمية المعرفة في مجالات العلوم والتقنية الحديثة، وهي بالتالي تعد منبراً تعليمياً فريداً ومركزاً متقدماً للأبحاث ومنارة علمية عالمية رفيعة.
ورغم خصوصية الطبيعة والسمة العالمية، فإن هذه الجامعة تسعى إلى وضع المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المتقدمة صناعيا وتقنياً من خلال الاهتمام بالنواحي المهمة لمستقبل المملكة، وبالقضايا التي لها صلة مباشرة برفاهية الإنسان السعودي والعمل على وضع الحلول للمشكلات التي تعوق التنمية في أوجهها المختلفة وتحويل الأفكار الجديدة والأبحاث التي تحتضنها إلى منتجات صناعية واقتصادية وطنية، وواقع عملي لتحقيق النمو الاقتصادي ودفع عجلة التنمية بوتائر سريعة وتوفير الازدهار والرفاهية للمواطنين، كما تسعى الجامعة إلى أن يكون الإنسان السعودي أكثر تخصصاً وتميزاً، علماً وعملاً، وصانعاً للمعرفة بدل أن يكون مستهلكاً لها فقط، وذلك من خلال الإمكانيات والفرص المتاحة في الجامعة للنبوغ والتفوق والإبداع والانفتاح على تجارب وخبرات الآخرين من الموهوبين والمبدعين من المفكرين والعلماء من أنحاء العالم المختلفة. إن افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تتويج لإنجازات اقتصادية واجتماعية وتعليمية وتقنية عملاقة شهدها عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال السنوات القليلة الماضية، ويمثل إيذاناً بعصر جديد في المملكة، ونقلة نوعية كبيرة تشير إلى بداية نهضة تاريخية غير مسبوقة في مجال التعليم العالي بشكل عام وفي مجال الأبحاث العلمية والتقنية على وجه الخصوص، وتحمل بشائر بمستقبل زاهر في شتى المجالات الحياتية يرسمه الحراك العلمي والتقني والثقافي الذي تقوده جامعة الملك عبد الله. ولعل أقل ما يمكن قوله في شأن إنشاء هذه الجامعة إنه جهد يستبق المستقبل لرسم واقع جديد لحياة مفعمة بالخير والرخاء للمواطن السعودي والمقيم في هذه البلاد العزيزة.. فهذه الجامعة هي رمز الشموخ لعهد متميز، فهي جامعة مستقبل أنشئت في الحاضر.