غرامات التأخير لا تمنع المقاولين من التأخير
من الواضح والظاهر للعيان مدى النهضة العمرانية في المملكة خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالمشاريع العمرانية المملوكة للدولة. وفي هذا الصدد كثيراً ما يدور تساؤل عن مدى إمكانية استكمال هذه المشاريع خلال الوقت المخصص لها؟ وجوابي المختصر عن هذا التساؤل هو بالنفي، ليس لغياب الإمكانية أو القدرة، إنما لغياب الدافع. وإليكم التفصيل:
افترض معي عزيزي القارئ أن الدولة بصدد إطلاق مشروع عمراني ضخم، وبموجبه تقوم الجهة المسؤولة بإعداد المواصفات والشروط، ومن ثم تدعو عددا من الشركات لتتقدم بعطاءاتها (ولنقل مجازاً إنها دعت عشر شركات). ومن بين عروض هذه الشركات كان أفضل عرض يقضي بتنفيذ المشروع خلال مدة أربع سنوات وبتكلفة مليار ريال. ولنقل إن الجهة المسؤولة رغبت في ترسية العقد على هذا الأساس (إلى الآن والكلام حلو). ولكن لنفترض أن الجهة المسؤولة قررت من نفسها أو بتعليمات من جهة أخرى أن مدة التنفيذ ينبغي أن لا تزيد على سنتين (أي نصف المدة)، في هذه الحالة يجب على الجهة أن تقوم بإعادة طرح المناقصة. ولكن في هذه الحالة ستتقلص الجهات التي بإمكانها استكمال المشروع في سنتين من عشر شركات إلى شركتين، وستزيد التكلفة من مليار إلى ثلاثة مليارات ريال.
على الرغم من تعجب بعض القراء مما سبق، إلا أني أرى أنه لا يزال مقبولاً، فالسرعة لها ثمن بطبيعة الحال. ولكن غير المقبول في الأمر أننا لو افترضنا أن المقاول الذي حصل على هذا العقد تأخر في إكمال المشروع، ففي هذه الحالة سيتعرض بالطبع لغرامة تأخير. ولكن النظام يحدد غرامة التأخير بما لا يزيد على 10 في المائة من قيمة المشروع. بمعنى أن المقاول الذي حصل على العقد ذي مدة سنتين ونفذه في مدة أربع سنوات (أي ضعف المدة) سيحصل على عائد قدره 2.7 مليار ريال (ثلاثة مليارات قيمة العقد بعد خصم 10 في المائة أو 300 مليون ريال) على الرغم من أن تكلفة التنفيذ في أربع سنوات كان يمكن أن تكون أقل بكثير.
من العرض الذي سبق نستنتج أنه إذا كانت الأولوية لمدة التنفيذ السريعة، كما يبدو أنه الحال في عقود الدولة الأخيرة، فلا بد من إعادة النظر في غرامة التأخير وعدم حصرها بـ 10 في المائة من قيمة العقد كحد أقصى، وإلا لكان بإمكان المقاولين تأخير العقود لأضعاف المدة مع احتمالية محدودة للخسارة.