كيف تحرك العاملين نحو الإنجاز..؟ (3 من 3) عمل رائع .. يمكن أن تصنع الكثير
في المقالين السابقين كنا قد تحدثنا عن فقه التحفيز ودوره كمحرك أساسي في العملية الإدارية والإنتاجية في المؤسسات والمنظمات في مختلف مجالاتها وتوجهاتها، ولا شك أن حديث التحفيز والتقدير في حياتنا الإدارية والإنتاجية المعاصرة حديث يطول ولا يمكننا أن نوفيه حقه في هذه السطور، اللهم إلا من باب الذكر المجمل، والحديث المختصر، والوقوف على الأهم منه في حياتنا الإدارية والعملية، ولعلني أختم معكم - قراءنا الأعزاء – ما كنت بدأته في حديث التحفيز بما هو متاح لنا جميعا، وبإمكاننا كلنا القيام به حسب مسؤولياتنا ومراكزنا العملية، حفاظاً على مواردنا البشرية الغالية، ورقياً بمؤسساتنا ومنظماتنا الإنتاجية المتطلعة.
فعندما نتأمل فيمن معنا في إداراتنا ومؤسساتنا، ونحاول البحث عن موطن التميز في أدائهم، واستكشاف كنوز الخير في نفوسهم، لا شك أننا لن نعدم خصلة طيبة، ومزية فاضلة تدفعنا لأن نقول لهم بحب كلمة طيبة، أو إيماءة صادقة، تحفزهم لمزيد من التقدم، وتدفع بهم نحو حياة التفاني والتضحية والنجاح. وكما يقول بوب مواد: كل إنسان يحب أن يتلقى الثناء والتقدير، حاول أن تجد موظفيك متلبسين في عمل يؤدونه بشكل صحيح، وقدم لهم الثناء على ذلك. فحاجة الموظف أو العامل إلى التقدير، والتحفيز المعنوي لا يحتاج إلى دليل فهو بشر بخصائصه النفسية، وطبائعه الشخصية، تؤثر فيه الكلمة الطيبة، ويزيد حماسه التقدير الصادق، يقول خبير التنمية البشرية العالمي المعروف بريان تراسي: أخبر الناس باستمرار كم هم أكفاء، ومدى قيمة العمل الذي يعملونه. ويؤكد هذا أيضاً كين بلانشارد في كتابه (الإدارة المبتدئين)، حيث يقول: ولا ينبغي أبدًا أن تمنعك مشغولياتك من توفير دقيقة أو اثنتين لتقدر في أثنائهما إنجازات أتباعك؛ فالروح المعنوية لهم وأداؤهم وشعورهم بالولاء سوف يتحسن بالطبع نتيجة لذلك، إن الكلمات البسيطة مثل: (شكرًا) أو (عمل رائع) يمكن أن يكون لها أثر كبير.
إن حاجة العاملين في المؤسسات والمنظمات إلى تقدير جهودهم وإنجازاتهم أشد من أي وقت مضى فقد أثبتت إحدى الدراسات في الولايات المتحدة، أن 46 في المائة ممكن تركوا أعمالهم كانت بسبب عدم شعورهم بالتقدير، ومن هنا لا يمكن لأي مؤسسة تسعى لمكانة أفضل في المستقبل أن تصل إلى مراميها دون أن تهتم بمواردها البشرية، وتعمل جاهدة على الحفاظ عليها، وتنمية حبها للعمل ورغبتها في الإنجاز، من خلال التحفيز بشكل عام، والتحفيز المعنوي بشكل خاص، بل وتربط ذلك بقيم المؤسسة ومبادئها، كأساس لنجاح العمل وإطلاق الطاقات والقدرات، يقول فولتير: منح التقدير للآخرين شيء رائع؛ إنه يجعل أفضل ما يملكه الآخرون ملكاً لك أيضاً.
إن ثمة مؤسسات وشركات وجهات عمل متميزة تبتكر بين الفينة والأخرى برامج وأنشطة تحفيزية للمبتدعين من عمالها وموظفيها، فتعمل من خلالها على استثارة دافعيتهم نحو مزيد من الإنجاز، والإبداع وبالتالي مزيد من النجاح للمؤسسة، بينما ثمة مؤسسات لا تجد في استراتيجيتها الإدارية والتنظيمية برامج تحفيزية للعاملين، فلا يجد الموظف فيها تقديراً حقيقيا لأفكاره واقتراحاته، ولا تحفيزاً على إنجازاته وإبداعاته، فتكون النتيجة أن تفقد المؤسسة من حيث تريد أو لا تريد أهم مكوناتها الأساسية التي هي قوتها البشرية الدافعة بها نحو التقدم والازدهار.
إن الوصول بالعاملين إلى حالة من الشغف والسعادة في إنجاز الأعمال الأهداف، عملية تحتاج إلى حوافز، بل هي عملية تحفيزية خالصة تحتاج إلى قائد قادر على خلق وتقنين أنواع الحوافز المختلفة والدفع من خلالها بعامليه لمزيد من الإنجاز والإبداع، فعملية التحفيز ليست شرارة ما تلبث أن تضيء حتى تنطفئ بل هي عملية مستمرة ومستمدة من لوائح وقوانين المؤسسة الناجحة، بل ومبنية على أساس من الثقة بين القائد الإداري والعاملين؛ حيث إن الذي لا يضع ثقته في الآخرين؛ لن يجدهم أبدًا أهلًا للثقة. هكذا يؤكد لو تسو. بل إن العاملين والموظفين أياً كانت مستوياتهم ومراكزهم الوظيفية دائما ما يقدرون قيمة التقدير الذي يمنحوه من مؤسساتهم، وترتفع مستويات الرضا لديهم حتى وإن كان التقدير معنوياً فقط، يقول كوزس وبوسنر متحدثًا عن المكافآت المعنوية: وهذه المكافآت تمثل أهمية أكثر من الراتب والمنافع المادية؛ لزيادة الرضا والالتزام والمحافظة والأداء، وتكون غالبًا إيماءة شخصية بسيطة ومع ذلك فهي أكثر المكافآت قوة، من الحقيقي أن المال يجعل الناس يقومون بالعمل، ولكنه لا يكفي ليجعلهم يقومون بعمل جيد.
إن الحافز يصنع المستحيل، وكلمة محفزة يمكن أن يكون لها أثر كبير .. ولعله من المناسب في ختام حديث التحفيز أن نتأمل معا مشهداً تحفيزياً رائعاً يحكيه لنا زيج زيجلار أحد رواد التنمية البشرية في العالم، وهو عبارة عن قصة وقعت له شخصيًّا، فيقول: منذ عدة سنوات مضت، جرحت ركبتي وأنا ألعب البولنج، ولهذا أصبحت أعاني من صعوبة في الحركة لعدة أيام، وفي الليلة التالية لهذا الحادث كنت ألقي حديثًا في مدينة أوماها في ولاية نبراسكا. وبعد أن تم تقديمي للجماهير أخذت أعرج على خشبة المسرح، ووضع رئيس الاحتفال الميكروفون أمامي، وحينئذٍ كان يمكنني أن أسمع بكل وضوح أفكار الجماهير وهم يقولون: انظروا كيف يعرج زيج! إنه مجروح ولكنه سيقدم أفضل ما عنده من أداء، لقد كنت أعرف أنني أتمتع بتعاطف هؤلاء الحضور وبانتباههم التام. وعلى مدار الساعة التي تلت ذلك، كنت أقوم وأجلس وأنحني وأجلس القرفصاء وأخاطب الجماهير وأتحرك هنا وهناك، والمهم أنني كنت لا أشعر بأي ألم في ركبتي وكنت أتحرك دون أن أعرج، ولكن في اللحظة التي وضعت فيها الميكروفون جانبًا، وأخذت طريقي للنزول عن خشبة المسرح، انهارت ركبتي ووقعت أرضًا.
إذًا هو الحافز، جعل من زيج زيجلار يتخطى متاعبه، ويتغلب على آلامه، لقد كان حافز إفادة الناس مسيطرًا عليه، وهكذا يصنع الحافز المستحيل.
يقول: تشارلز شواب (إنني أعتبر قدرتي على إثارة الحماس بين الناس أعظم رصيد أمتلكه، وأفضل طريقة لإخراج أفضل ما في الرجال، تكون بتقديرهم وتشجيعهم).