كيف يمكن إصلاح «نطاقات» ليحفز السعودة؟

أوضحت في المقال السابق كيف أن ديناميكية برنامج نطاقات بصورته الحالية تتجه بنا إلى السعودة الصفرية، وأقصد بذلك أن تصبح نسبة السعودة المطلوبة في كل نشاط تقرب من الصفر، باعتبار أن المعيار الذي تحتكم إليه وزارة العمل في تحديد نسبة السعودة المطلوبة هو أداء أسوأ شركة في النطاق الأخضر، فكل شركة حققت نسبة سعودة تزيد على الحد الأدنى للنطاق الأخضر لها كامل الحق في تخفيض نسبة سعودتها إلى هذا الحد الأدنى، ما يجعل النطاق الأخضر يتراجع بشكل مستمر إلى أن تصبح نسبة السعودة المطلوبة في كل نشاط تقرب من الصفر.
وكي تخرج وزارة العمل من هذه الورطة فإنها في حاجة إلى أن تقلب ديناميكية برنامج نطاقات، بحيث يتجه بنا نحو السعودة المئوية، أي السعودة التي تبلغ نسبتها 100 في المائة، التي تتطلب تعديلات جوهرية على برنامج نطاقات حتى تمكنه من ذلك، ويمكن أن نلخص أهم وأبرز التعديلات المطلوبة في التالي:
1- عوضاً عن أن يكون النطاق الأخضر دعوة مفتوحة للشركات في هذا النطاق لمزيد من الاستقدام، كما هو حاليا، يكون الاستقدام موقوفا لجميع النطاقات، إلا أنه بالنسبة لشركات النطاق الأخضر فيمكنها استعادة قدرتها على الاستقدام من جديد بعد تحقيق تحسن في نسبة سعودتها تُغلق بها جزءا من فجوة السعودة، المتمثلة في الفرق بين نسبة سعودتها الحالية والحد الأعلى للسعودة في النطاق الأخضر للنشاط الذي تعمل به، كأن تكون كل شركة مطالبة بغلق فجوة سعودتها بنسبة 10 في المائة قبل أن تستعيد قدرتها على الاستقدام من جديد. على سبيل المثال، إذا كان النطاق الأخضر في نشاط ما يتمثل في نسبة سعودة بين 15 و50 في المائة، وهناك شركة تبلغ نسبة سعودتها حالياً 20 في المائة، فإن الفجوة بين نسبة سعودة هذه الشركة البالغ 20 في المائة والحد الأعلى للنطاق الأخضر البالغ 50 في المائة هي 30 في المائة، وكي تغلق فجوة سعودتها بنسبة 10 في المائة، ومن ثم تستعيد القدرة على الاستقدام فإنها في حاجة إلى أن تقوم أولا برفع نسبة سعودتها إلى 23 في المائة. ومن المهم أن نلاحظ، أنه وفقاً لهذه الصيغة، فإنه كلما كانت نسبة سعودة الشركة أقرب إلى الحد الأعلى للنطاق الأخضر كانت مطالبة بزيادة أقل في نسبة سعودتها، على سبيل المثال لو كانت نسبة السعودة في هذه الشركة 40 في المائة بدلاً من 20 في المائة فستكون مطالبة بزيادة نسبة سعودتها بـ 1 في المائة فقط بدلاً من 3 في المائة، باعتبار أن هذا كل ما تحتاج إليه لغلق فجوة سعودتها بنسبة 10 في المائة.
2- بالنسبة لعدد التأشيرات التي تستطيع هذه الشركة الحصول عليها فيتمثل في الفرق بين العدد الفعلي للعاملين السعوديين لديها بعد زيادة نسبة سعودتها وبين الحد الأدنى لعدد السعوديين المحقق لإغلاق فجوة السعودة بنسبة 10 في المائة. على سبيل المثال، لنفرض أنه يعمل في هذه الشركة حالياً 500 عامل، وبما أن نسبة سعودتها تبلغ 20 في المائة فإنه يعمل لديها حالياً 100 عامل سعودي. وفي حال بقاء عدد العاملين الأجانب لديها ثابت عند مستواه الحالي، أي 400 عامل، فإن الحد الأدنى لعدد السعوديين الذي يرفع نسبة سعودتها إلى 23 في المائة سيكون 119 عاملا سعوديا، أي أن توظف 19 عاملا سعوديا إضافيا. ولنفرض الآن أنها نجحت في رفع نسبة سعودتها إلى 27 في المائة، أي أن عدد السعوديين العاملين لديها قد ارتفع في الواقع إلى 148 عاملا، أي أنها قد وظفت 48 عاملا سعوديا إضافيا. في هذه الحالة فإن عدد التأشيرات المستحق لها يتمثل في الفرق بين عدد السعوديين الفعلي البالغ 148 عاملا، وبين الحد الأدنى لعدد السعوديين المطلوب لتضييق فجوة السعودة بنسبة 10 في المائة البالغ 119، أي أنها مستحقة لـ29 تأشيرة عمل. وفي حال استقدامها هذا العدد من العمال سيصبح عدد العاملين الأجانب لديها 429 عاملاً، وعدد السعوديين 148 عاملاً، ومن ثم فإن نسبة سعودتها ستنخفض من 27 في المائة إلى 25.6 في المائة، أي أنها ستحافظ على نسبة سعودة تزيد على الحد الأدنى اللازم لغلق فجوة سعودتها بنسبة 10 في المائة.
3- كي تتمكن هذه الشركة من استعادة قدرتها على الاستقدام من جديد فإن عليها مرة أخرى أن تضيق الفجوة بين نسبة سعودتها التي أصبحت الآن 25.6 في المائة وبين الحد الأعلى للنطاق الأخضر في النشاط الذي تعمل به بنسبة 10 في المائة، مع ملاحظة أنه يلزم أن يكون الحد الأعلى للنطاق الأخضر قد ارتفع الآن عن مستواه السابق البالغ 50 في المائة، باعتبار أن متوسط نسبة السعودة في هذا النشاط قد ارتفعت، ومن ثم لا بد أن النطاق الأخضر في هذا النشاط هو الآخر قد تحرك إلى الأعلى. وتستمر هذه العملية الديناميكية التي تدفع نحو السعودة المئوية، أي إلى أن يصبح الحد الأعلى للنطاق الأخضر في كل نشاط قريبا من نسبة 100 في المائة، الذي سيتحقق وفق فترات زمنية متفاوتة من نشاط إلى آخر بحسب نسبة السعودة الحالية في كل نشاط. فيما ستتحدد سرعة سعودة سوق العمل بشكل عام بمقدار فجوة السعودة التي نطالب شركات النطاق الأخضر بغلقها قبل استعادة قدرتها على الاستقدام، فإن كنا نرغب في تسريع هذه العملية نرفع مقدار هذه الفجوة أو نقوم بالعكس فتتباطأ عملية السعودة.
ولتشجيع شركات القطاع الخاص على توظيف مزيد من السعوديين، فإننا في حاجة إلى تحسين قدرة العمالة المواطنة على منافسة العمالة الأجنبية من حيث تكلفة التوظيف، وذلك من خلال، وكما اقترحت في دراسات ومقالات عديدة سابقة، تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية إلى القطاع الخاص على شكل إعانة عن كل عامل سعودي يعمل في منشأة خاصة بشرط تجاوز راتبه حداً معيناً، اقترحت أن يكون أربعة آلاف ريال شهريا. أي أن يصبح الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية في القطاع الخاص أربعة آلاف ريال في الشهر. فمن خلال هذا التدوير لرسوم توظيف العمالة الأجنبية إلى المنشآت الخاصة نزيد من قدرة العمالة السعودية على المنافسة في سوق العمل من خلال جعل صاحب العمل لا يتحمل إلا جزءا من تكلفة توظيفها، كما أن حصول هذه العمالة على أجر مجزٍٍ نسبيا، باعتبار اشتراطنا لحد أدنى لأجرها الذي يستحق عنه إعانة، يشجعها على الالتحاق بالعمل في القطاع الخاص ويحفزها على الاستقرار فيه. ما يعني أن قطاع الأعمال سيتبنى جهود السعودة بصورة طوعية بدلاً من كونها سعودة قسرية توجد الحافز لدى منشآت القطاع الخاص للتهرب منها والتحايل عليها كما هو الحال الآن.
وإن كانت وزارة العمل غير قادرة على مواجهة قطاع الأعمال وتطبيق سياسات وإجراءات تتعارض مع مصالحه الضيقة، فأقل ما يمكنها القيام به هو إيقاف العمل ببرنامج نطاقات، فهو بشكله الحالي لن يكون فقط غير مجد، بل سيتعدى ذلك إلى التسبب في انتكاسة كبيرة لمشروع السعودة وإحلال الوظائف، وسيأتي قريباً جداً اليوم الذي نتحسر فيه على الوضع الحالي الذي يفترض أن هذا البرنامج أوجد لتصحيحه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي