برنامج الابتعاث.. لأجل مستقبل أكثر إشراقاً
لم يكن يوماً عادياً يمر دون مرفق يحفظه في الذاكرة، لم يكن يوماً عادياً دون أن توثقه مسيرة الإنجاز في تاريخ وطننا الحبيب، لم يكن يوم السبت 16/7/1432هـ الموافق 18/6/ 2011 م يوماً عادياً، بل كان يوما مختلفاً عن سائر الأيام، كان يوما متميزاً ورائعاً بكل ما حمله من التميز والروعة، والأمل بفجر مشرق، ومستقبل زاهر .. سيظل يوماً مختلفاً بمحطته الرائدة، خالداً في ذاكرتي وذاكرة الوطن الحبيب لا يرحل منها أبداً، فرمزه ومعناه منقوش على جدارها الصامد أمام عواصف الأيام والنسيان، وأنى للأيام أن تنسينا احتفالية مباركة، أقامتها وزارة التعليم العالي ضمن مشروع الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، وبالأصح لـ ''التنمية البشرية'' ممثلة في ملحقيتها الثقافية في أمريكا لزفاف أكثر من 3000 عريس وعروسة من الدفعة الرابعة لبرنامج المبتعثين في أفضل الجامعات الأمريكية، وذلك في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية، وفي مختلف التخصصات الحديثة، وقد كانت احتفالية جميلة بهيجة امتزجت فيها وشائج الفرحة بنشوة الإنجاز والتفوق، فهي مناسبة من نوع آخر جميل، إنها احتفالية لكوكبة من الكفاءات، وزفاف لثلة متوشحة بالمهارات إلى ساحها الطبيعي، ساح العمل والبناء، والإبداع والابتكار.
فهنيئاً للوزارة وللملحقية الثقافية هذا الزفاف الرائع، وهنيئا لموكب العرسان رحلتهم الماتعة إلى حياة الأمل والنماء، وهنيئاً لقادتنا الأوفياء هذا الإنجاز الكبير، والقطف المبارك .. هنيئا لمملكتنا الحبيبة تاريخ النجاح الممتد، وحكاية الابتعاث الطويلة، التي بدأتها منذ ستة وثمانين عاماً، في مشروع نوعي وكبير، بمراحله التطويرية، ونقلاته النوعية، غير أنه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز شهد تطوراً مختلفاً جداً، شهد نقلة نوعية لم يشهده من قبل، فمنذ ستة أعوام من تأسيسه وهو يمثل أحد المعالم الرئيسة في سياسة التعليم وتاريخ الابتعاث، ليس فقط في المملكة العربية السعودية وحدها وإنما على مستوى العالم كله.
إن هذا المشروع الحيوي الكبير يهدف إلى تنمية وطنية مستدامة، وتقدم حقيقي نحو الريادة العالمية، حيث هو استثمار في العقول البشرية، الاستثمار الاستراتيجي الذي يدوم ويبقى .. ينمو ولا ينضب، ليبقى ذخراً حقيقيا للوطن الغالي .. إنه مشروع انبثق من طموح ملك، وعندما يترجم مشروع طموح ملك بحجم عبد الله بن عبد العزيز فالمشروع إذاً مختلف، وعلى غير المألوف .. لقد وصل عدد المنظمين فيه أكثر من 120000 طالب وطالبة، منتشرين في 34 بلداً ينهلون من علومها وفنونها، أكثر من 43500 منهم يدرسون في الولايات المتحدة الأمريكية فقط.
إن الرؤية الثاقبة في استثمار العقول البشرية، والهادفة إلى التنمية المستدامة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي لسوف تسهم إيجاباً في تنمية المملكة على الأصعدة التنموية كافة، ولا أدل على فوائد هذا المشروع الملموسة من تدشين مرحلته الثانية، ولمدة خمس سنوات قادمة. ونحن اليوم إذ نفتخر بهذا الإنجاز الكبير أجد نفسي أغبط هؤلاء الطلبة البارزين، فقد عادت بي الذاكرة إلى أكثر من عشرين سنة مضت حينما كنا مبتعثين مثلهم، وكانت وسائل الاتصال والتواصل بيننا وبين الملحقية شاقة، لقلة عدد الموظفين من ناحية، ولعدم انتشار التقنية من ناحية أخرى، وأما اليوم فلم يكن مشروع الابتعاث كبوابة حضارية ترمز بصورة واضحة وجلية إلى الاستثمار البشري في هذا العنصر المهم والمؤثر في عوامل التنمية ومقوماتها فحسب، ولكن أيضاً فيما نشاهده من الاهتمام الكبير، والتميز الخدمي في المبنى الذكي للملحقية من خلال بوابته الإلكترونية المتطورة، التي تعد إضافة مهمة، وخطوة رائدة في التواصل الجديد.لم أستطع أن أصف مشاعري، وأعبر عن خواطري وأنا أشاهد هذا المبنى الجديد الرائع في تصميمه و طرازه المعماري الجميل والبديع الذي يخدم فيه أكثر من 300 موظف نذروا أنفسهم على رأسهم سعادة الملحق الثقافي في أمريكا ومساعده لتقديم خدماتهم لهذا الوطن الغالي، الذي يرى العلم هو الطريق إلى تقدمه وريادته، ومستقبله الزاهر، فبإمكانات متميزة وتقنيات متطورة يقدمون خدماتهم لضيوف الملك وأحبابه، إكمالاً لمسيرة الاهتمام والرعاية بالتعليم العالي الذي استأسد بما نسبته 12 في المائة من إجمالي الميزانية السنوية للدولة، التي تبلغ 600 مليار ريال سعودي.
لقد أحسنت وزارة التعليم العالي في رعاية وتطوير هذا المشروع الحيوي الطامح، ولقد أحسن وزيرها الطموح حين أهدى نجاح المشروع وثماره لرائده وراعيه، فقال بما نصه: ''اعترافا بالفضل لأهله، فإن أحق من يهدى إليه نتاج هذا النجاح وثماره هو من رسم خطى هذا البرنامج وأولاه دعمه السخي ورعايته الوافية وتابع مسيرته بكل رعاية واقتدار، قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -'' فكان النجاح والتفوق، وكان التميز والإنجاز، ليزاد العرس البهيج روعة وجمالاً بتسابق الشركات الكبرى إلى احتواء الخريجين وتوظيفهم قبل عودتهم إلى الوطن.
لقد كان فخري لا يوصف في ''ملتقى التوظيف المصاحب لحفل التخرج'' وأنا أشاهد العدد الكبير من الجامعات والشركات الكبيرة الحكومية والخاصة كأرامكو وسابك والبنوك الوطنية وغيرها وهي تحاول استقطاب هؤلاء العرسان في مقر بعثتهم لتقدم لهم فرصاً عملية في وطنهم، ووظائف مهنية تتناسب مع مسيرتهم الدراسية، ومستواهم العلمي في صورة بانورامية جميلة تؤكد نجاح هذا المشروع الرائد وتحقيق رؤيته الأولية في تخريج الكفاءات المتميزة وزفافها إلى ميادين التنمية في قطاعاتنا الحكومية والخاصة، ليكونوا ثروة اقتصادية داعمة تثري رصيد الوطن الغالي من الكفاءات المتميزة والفاعلة، وتكون ذات تأثير حيوي وتنموي في مسيرته الحضارية، بما يحقق الرخاء والتقدم والازدهار، ويؤسس لمستقبل أكثر إشراقاً. بارك الله في الجهود، ونفع الله الوطن بالخريجين، وشكرا لله وللعاملين كافة من أجل وطن المجد والحضارة والعزة والشموخ .... دمتم سالمين.