نحو خطة وطنية للتعليم الإلكتروني (1 من 2)
بات التعليم الإلكتروني، أو المفتوح أو التعليم عن بُعد في دول العالم المتقدمة، ضرورة من الضرورات الكبرى، والتيار الجارف الذي يزيح في طريقه الأنماط التقليدية، والهياكل المعتادة للتعليم الجامعي والعام على حد سواء ..، لأسباب موضوعية، أبرزها أنه يواكب موجة التحديث في التعليم العالمي، وفي الوقت نفسه يرفع عبء بناء جامعات تقليدية عن كاهل الدولة عبر استحداث أنماط جديدة من التعليم الجامعي تتوافر فيها معايير الجودة والتميز والتنوع والمرونة؛ فضلاً عن تحقيق مبادئ تكافؤ الفرص التعليمية، بعدما ضاقت مدرجات الجامعات بتحقيق رغبات كثير من الطلاب والطالبات، حيث أصبحت برامج التعليم الإلكتروني في العالم بأسره الأكثر انتشاراً، سواء أكانت في جامعات مستقلة أم ملحقة بالجامعات التقليدية، ونعلم أن بريطانيا كانت الرائدة في هذا المجال، إذ أنشأت الجامعة البريطانية المفتوحة، مطلع سبعينيات القرن الماضي، كأول جامعة مستقلة، ومفتوحة في العالم، بهياكلها الإدارية، ونظمها التعليمية، اعتمدت في البداية على التلفزيون كوسيلة اتصال أساسية، وسرعان ما حاكتها الجامعات التقليدية الأخرى، التي سارت على منوالها بإحداث مراكز وبرامج للتعليم المفتوح، مستثمرةً ثورة الاتصال وتقنية المعلومات, موظفة تطبيقات الحاسوب في هذه العملية .. وهذا النوع من التعليم، يدرك أهميته وضرورته وتحقيق أهدافه، العاملون في مجال التعليم..
والشواهد على نجاح هذه التجارب العالمية، كثيرة شرقاً وغرباً، وأقربها تماساً لحياتنا التعليمية العربية: جامعة القدس المفتوحة؛ والجامعة العربية المفتوحة وغيرهما.
وأعتقد أن تعليمنا السعودي بحاجة ماسّة إلى المبادرة بتحقيق هذا الحُلم الإلكتروني، والتوسّع فيه، ليس بإيجاد الحلول التعليمية التقليدية لقضية الثانوية العامة، من خلال تشييد الجامعات، والمؤسسات التعليمية التقليدية، واستنساخ نظمها الإدارية، وهياكلها، وطرق تدريسها، وطرق القبول بها التي تجاوزها الزمن بمراحل الآن، ناهيكم عن تخصصاتها التي لم تعد مواكبة لمتطلبات العصر الذي نعيشه، بل متطلبات السوق التي لم تعد تؤمن سوى بالمهارة والتقانة والجودة سبيلاً للتوظيف... كل هذه الحلول لم تعد تجدي نفعًا الآن أمام الأعداد الهائلة من مخرجات التعليم الثانوي والفني والتقني، ما لم يتم التخطيط لإيجاد تعليم إلكتروني يستوعب هذه الأعداد الغفيرة، وتعجز جامعاتنا عن استيعابهم ..! خاصة أن البنية الأساسية متوافرة في المملكة، ما يسهّل تطبيق الفكرة تطبيقًا أمثل..
إن ما يعانيه المجتمع كل عام من فائض طلبة الثانوية العامة وطالباتها، يستدعي دراسة واقع التعليم الإلكتروني الراهن، ووسائل توظيفه، والبنية التحتية التقنية؛ ودور هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في توفير تقنيات، تساير وتتماشى مع معايير الجودة في مفاهيم التعليم الإلكتروني، وتوفير خاماته للطلاب والطالبات، من خلال مؤسسات التعليم الجامعي والتعليم العام على الدرجة نفسها.
إن مستقبل التعليم الإلكتروني في السعودية، ودور الهيئات والمؤسسات الرسمية والأهلية على السواء المهتمة بتقنية المعلومات، جنباً إلى جنب مع توافر البنية الأساسية الخصبة لذلك؛ كل ذلك يتطلب وجود خطة وطنية لتفعيل التعليم الإلكتروني تضع في الحسبان، إرساء مواصفات قياسية للمادة المتاحة من خلال البوابات الإلكترونية، ووضع الأولويات حسب الاحتياجات المجتمعية السعودية والعربية والإسلامية، وكذا وضع مواصفات قياسية للبرمجيات، تأخذ في الاعتبار تحقيق رغبات ومتطلبات شريحة مهمة من أبنائنا ذوي الاحتياجات الخاصة؛ وتحديد ما يلزم كلا من الطالب والمعلم من مهارات التعامل مع هذه التقنيات الجديدة.
التحول من التعليم التقليدي إلى تعليم قائم على تطبيقات الحاسوب والشبكات، يشكّل تجربة جديدة ومثيرة، لكل من الطالب والمعلم وأولياء الأمور، وغيرهم من المشاركين في العملية التعليمية، ولكنها مهمة وواجبة وضرورية الآن لتحديث مجتمعنا، وعلى هذه الأطراف جميعها النظر سريعاً إلى الوراء لاحقاً، والمقارنة بما كان عليه التعليم منذ عدة سنوات؛ وأن يتأملوا واقع التعليم الإلكتروني..، حينها سيدركون الفارق، حين تصل أيديهم جميعاً بمهارة أخّاذة إلى بوابات المعلومات التي تقودهم إلى عالم جديد، يصبح فيه هذا النوع من التعليم خبرة ممتعة ودائمة التجدد، مؤكّدة التفوق.