المطاعم .. حكايات ما قبل التفتيش
يعتبر العقاب من أكثر العناصر المساهمة في تعديل السلوك وضبطه، ويتعدد العقاب وتتعدد أساليبه في علاج الحالات الفردية كما جاء في الشريعة الإسلامية، وما جاء به العلم مدعوما بالشريعة في كثير من النظريات النفسية، ولم يكن العقاب فرديا فحسب، بل جاء كثير من الطرق التأديبية أيضا لتقويم السلوك الجماعي وفق ما يندرج تحت العلوم الاجتماعية، ولا شك إطلاقا في أن العقاب عندما يكون إيجابيا فهو ينعكس على انتظار نواتج إيجابية.
ولعل الحملات التفتيشية على المطاعم أثلجت صدور المواطنين وأسعدتهم ليس لشيء سوى للكشف عن المخالفات الصحية ومستويات النظافة المتدنية داخل بعض المطاعم والمخابز، فنحن كنا بحاجة ماسة إلى ذلك النوع من الحملات التي تعمل على تقويم ما يدور في المطاعم من مخالفات مختلفة ومتنوعة بعيدا عن عين الرقيب، ومهما كانت الجهود التي تبذل في مكافحة تلك المخالفات سابقا فهي تعتبر ضعيفة وغير فعالة، طالما لم يكن هناك تشهير بأسماء المطاعم، بل إن هذه الخطوة في التشهير تعتبر سلوكا رائعا ورادعا في الوقت ذاته لكثير من جوانب الإهمال والاستهتار بصحة الناس، من خلال ما يدور داخل كواليس تلك المطاعم، فهناك بعض ملاك المطاعم لا يعلمون ما يدور داخل موقع المطعم، بل ربما يكون المطعم مؤجرا للعمالة، ولكنه تحت اسمه وملكيته، ومع أن تلك مسؤولية خطيرة إلا أن بعضهم يجهل أو يتجاهل ما يحدث، بل يكون كل ما يهمه هو أن يتسلم من العامل في آخر الشهر مبلغا معينا يتم الاتفاق عليه مسبقا، وفي بعض الأحيان يكون مالك المطعم مشرفا عليه إشرافا مباشرا، ولكن تنعدم ذمة بعضهم ويموت ضميره فيستخدم أقل المنتجات جودة ولا يتهم بالنظافة فتنتشر الحشرات، ويسوء تخزين الأطعمة بشكل مقصود ومتعمد، لذا نحن فإننا في أمس الحاجة إلى من يصحح تلك الأوضاع، فالغذاء من أهم الاحتياجات الأساسية للإنسان والتلاعب بجودة الغذاء هو تلاعب بحياة الناس وأرواحهم، وكم نسمع عن حالات التسمم الغذائي أحيانا بشكل فردي وأحيانا بشكل جماعي، ولكن لم تكن هناك عقوبات رادعة فعليا لما يحدث، فانتشر كثير من حالات التمادي والاستهتار والإهمال، وذلك يتضح من خلال الأرقام المرتفعة من المطاعم والمخابز التي سجلت بلدية الرياض إغلاقها خلال الحملة التفتيشية، ربما أرقام نتعجب من ارتفاعها مبدئيا، ولكننا عندما نتذكر صورة ''الشاورما'' معلقة على الطريق تمتص وتمتص من دخان السيارات قد نتوقع أن يكون الرقم أعلى من ذلك، وعندما نتصور القذارة في بعض أركان المطاعم وجدرانها قد لا نعتبر الرقم مذهلا.. تحية كبيرة لكل الجهات المسؤولة عن المحافظة على المواطن والمخلصة في عملها.. جهود تستحق الاحترام والتقدير.. نحتاج دائما إلى هذا النوع من المصداقية الرائعة.