تحرشات الظهران .. النظام والتربية المفقودان

أعتقد جازماً أن الفيديو الذي تم تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والذي نقل لنا وللعالم جرأة مجموعة شباب من أبنائنا في المنطقة الشرقية وفي إحدى الأسواق الممتلئة بالمتسوقين على بنات من أبناء الوطن، جرأة لفظية وحسية. شعرت بالألم وأنا أشاهد الفيديو وأفترض أن كل من شاهده شعر بالشعور نفسه، إلا أن السؤال: هل من حضروا الواقعة شعروا الشعور نفسه؟ ولماذا لم يفعلوا شيئاً؟ إذ لم يظهر الفيديو أي رد فعل سوى المشاهدة السلبية.
هذا الحدث وغيره من الأحداث التي تحدث في شوارعنا وأسواقنا تستدعي التوقف والتأمل العميق لمعرفة الأسباب، ولكي نحدد الأسباب لابد من التوقف عند تربيتنا المنزلية والرسمية، هل تربى هؤلاء في بيوت تسمح بهذه الممارسات وتجيزها؟ وما ردود فعل أولياء أمور هؤلاء الشباب إذا علموا بمشاركة أبنائهم في هذا الفعل الشنيع؟ وهل يرضون بممارسة أبناء الغير مثل هذا الفعل مع بناتهم؟ هل سيقبلون لبناتهم ما يقبلونه لبنات الغير، أم أن حميتهم ستتحرك؟ أجزم أن لا أحد يرضى أن يفعل ابنه مثل ما فعل هؤلاء، لكن هل ينتهي الأمر عند مشاعر الرفض فقط، أم أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في تربيتنا لأبنائنا وكيف يفكرون؟ وبماذا يشعرون؟ ومن يصادقون؟ وأين يذهبون؟ بمعنى آخر هل نحن قريبون من أبنائنا بشكل يمكننا من معرفتهم بشكل أفضل؟ الحديث عن التربية ودورها في ضبط السلوك يقودنا لمناقشة أثر التربية الدينية والوطنية، مناهجنا فيها الكثير من النصوص التي يفترض أن تزكي النفس من أحاديث وآيات قرآنية، كما في حديث إماطة الأذى عن الطريق، حيث نحث على إزالة الأذى الذي لم نتركه أو نرميه في الطريق كل ذلك منعاً لأذى المارة، لكن ما شاهدناه فعل ومباشرة في أذى الآخرين لفظيا وجسديا، وإهدار لكرامة إنسان آخر ذنبه أنه وجد في هذا المكان.
''المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده'' حديث شريف يتردد على مسامعنا في المقررات الدراسية، وفي المساجد وفي وسائل الإعلام، لكن ما أثره على من فعلوا تلك الفعلة الشنيعة أمام الملأ وفي مكان عام؟ لقد آذوا باليد واللسان وانتهكوا الحرمات في شهر من الأشهر الحرم.
التفسير النفسي والتربوي لهذا الفعل أن تربيتنا فشلت على أقل تقدير مع هؤلاء الشباب في الانتقال من مستوى المعرفة إلى مستوى المشاعر وبناء القيم وضبط السلوك، وهذا الانفصام يؤكد ضرورة أن نربي بدلا من أن نعلم ونطبق بدلا من أن نحفظ. الحضور لذلك المشهد المقزز والمريع يقتضي أن نسأل أين هم من ''أحب لأخيك ما تحب لنفسك''؟، وأين هم من ''انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً''؟ ألم تتحرك فيهم المشاعر التي تجعلهم يتحركون لإيقاف هؤلاء السفهاء، أم أن لسان حالهم يقول لا دخل لي في الموضوع؟!
رجال الأمن العاملون في الأماكن العامة لهم دور لكن لا بد من تأهيلهم وحمايتهم نظاماً. يبدو أن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة خاصة عندما لا يرى الناس تطبيقاً للنظام في حق المعتدين، وكما حدث من أحد أبناء العم سام الأمريكي الجنسية الذي تجرأ في حادثة مشابهة على سعودية ولم نسمع أنه طبق بحقه النظام. إن انكسار حاجز الخوف وعدم حضور الجهات الأمنية وعدم تطبيق النظام في حق المخطئين قد يكرر المشهد مرات ومرات وإن كان في أماكن وصور أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي