قضية الإسكان وخيبة الأمل
رأيته وهو جالس متضايق في مكتبه العقاري حيث انخفض التداول خلال الأشهر الستة الماضية بشكل كبير، وبادرني بعد أن رأى السؤال في عيني قائلا: لا تداول يحقق لنا الرزق الذي يدعم موقفنا الاقتصادي أمام غلاء الأسعار، ولا حل جذري للمشكلة الإسكانية فأبنائي تجاوزوا الثلاثين من العمر ولا بارقة أمل لإمكانية حصولهم أو شرائهم لمسكن ملائم، وأسعار العقار لم تتأثر، فالتضخم سيد الموقف فالأراضي ارتفعت ما ارتفع كل شيء بالتزامن مع ارتفاع النفط وزيادة إيراداته في ظل ضعف قنوات الاستثمار وفي ظل تعقيدات الاستثمار في الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
قلت له: نحمد الله أنه لا مشكلة إسكانية في بلادنا، بل قضية إسكانية كما هو الوضع في جميع دول العالم فلا وجود لأحزمة الفقر والعشوائيات حول المدن، والكل يسكن في منزل مملوك له أو لوالده أو والدته أو بالإيجار إلا الندرة القليلة التي يتكفل بها أهل الخير والإسكان التنموي. نحن مجتمع إسلامي متكافل نتحرك بمرونة في حجم الأسرة، فكلما ضاقت بنا الظروف الاقتصادية، كبر حجم الأسرة لتشمل الأب وأبناءه، وإن انتعشت الظروف الاقتصادية توسعنا في منزل لكل فرد من أفراد العائلة يتناسب وحجم أسرته ودخله.
قال: القضية الإسكانية تحولت أو قد تتحول إلى مشكلة إذا بقينا في دائرة وعود وزارة الإسكان التي لم تسمع لنصائح الخبراء للتصدي للقضية أو المشكلة الإسكانية فانطلقت بمبدأ التجربة والخطأ، مع الصراخ العالي طلباً لمعالجة المعطيات والعوائق التي تقف أمام خططها صعبة التطبيق، وأصبح من شروط نجاح وزارة الإسكان في توفير المساكن تحطيم أسعار العقار أولاَ بدل أن تفكر في حل ذكي في إطار المعطيات ودون الحاجة إلى الدخول في متاهات وتحديات والدوس على مصالح المواطنين الآخرين الذين يملكون العقارات والذين لا يظنون أن عقاراتهم ارتفعت بقدر ما أن القدرة الشرائية للريال المرتبط بالدولار انخفضت، خصوصا بعد عمليات التيسير الكمي في الولايات المتحدة.
وبانفعال قال أيضاً: إن الحل كان واضحا وضوح الشمس وهو التدخل لتطوير أراضي المنح السابقة، وتطوير المزيد من الأراضي البيضاء المتاحة ومنحها للمواطنين، والتوجه إلى رفع قدرة المواطن الشرائية من خلال توفير فرص الاقتراض الحكومي وغير الحكومي، وأخيراً نشر ثقافة ''مساكن العمر'' بدل ثقافة ''مسكن العمر''، حيث ينتقل الإنسان من سكن إلى آخر حسب تطورات حجم أسرته ودخله. نعم يجب أن تتغير ثقافة السكن في فيلا 400 إلى 500 مترمربع مهما كان حجم الأسرة ومهما كانت ظروفها الاقتصادية، وأعتقد أنه على صندوق التنمية العقاري أن يعيد شروط منح القرض التي أسست لثقافة فلل الخرسانة في حدود 400 مترمربع، وأظن الصندوق فعل عندما غير شروط الحصول على القرض الإسكاني.
وللأمانة، وكما يبدو لي من كلام الكثيرين، يشعر الناس بخيبة أمل من وزارة الإسكان في التصدي للقضية الإسكانية التي أضاعت الكثير من السنوات في مسار التجربة والخطأ، وعدم الاستفادة من تجارب الدول الكبرى في التصدي لقضية الإسكان من خلال تفعيل منظومة عناصر السوق العقارية بدلا من التوجه لتجارب دول مجاورة صغيرة مختلفة الظروف من حيث عدد السكان والدخل وتوافر الأراضي لدى الحكومة ومحاولة استنساخها، في حين أن المملكة ذات ظروف مختلفة تتطلب حلولا مختلفة تتناسب وهذه الظروف التي تتطلب التوجه لتعزيز قوة عناصر السوق العقارية من منتجين ووسطاء ومستفيدين للتصدي الأمثل لقضية الإسكان.
وأعتقد أن السوق العقارية السعودية متى ما نظمت وعززت قوة عناصرها فهي جاهزة للتصدي للقضية الإسكانية فكما نرى فإن المملكة لا تعاني ضعف إنتاج المساكن بل العكس، حيث ينتج المطورون بتعدد أحجامهم وقدراتهم كميات كبيرة من المساكن المتنوعة وبأسعار معقولة في حدود التضخم الذي ضرب كل السلع والخدمات، وأن المواطن من الطبقة المتوسطة أصبح قابلاً بالسكن الملائم لحجم أسرته ودخله، بل وأنه نتيجة لثقافة التكافل الإسلامي التي تتميز بها المجتمعات المسلمة، فإن الكثير من الآباء وأبنائهم دخلوا في شراكات لبناء مسكن مقسم لأكثر من شقة للتخلص من الإيجارات التي حولوها لأقساط تدفع للبنك ليتملكوا المسكن بالكامل بمرور الزمن.
وأعتقد أيضاَ أن شروط منح الأرض والقرض التي تمكِّن حتى أثرى الأثرياء من التقدم لصندوق التنمية العقاري يجب أن تتغير لنتحول لما يسمى بالتمويل الفعال للطبقة المتوسطة التي لا تملك عقاراً وليست التي تملك مسكنا ملائما.
لقد رأيت الكثير من المعارف الذين يمتلكون مسكنا ملائما يحصلون على أرض وقرض رغم أنهم تجاوزوا الحاجة، في حين يقف في الدور من هو محتاج للأرض والقرض لبناء المسكن الذي يؤويه وأفراد أسرته.
والسؤال الكبير الذي يدور في ذهني هل قتل السوق العقارية وتحطيم أسعارها يساهم في علاج المشكلة الإسكانية أم يفاقمها؟ حسب ما أرى أن الكثير من منتجي المساكن توقفوا عن ذلك لأنهم في سوق مستهدفة من قبل وزارة الإسكان، وأن تحطيم أسعارها ٍٍيشكل إحدى آليات الوزارة لحل المشكلة، وبالتالي سينخفض المعروض من المساكن وترتفع الأسعار مرة أخرى، ولذلك أعتقد أن على وزارة الإسكان أن تطمئن المتعاملين في السوق العقارية وتنظم سوقهم وتطورها، وتحمي المتعاملين فيها من شرور القرارات المفاجئة لتحفزهم للمزيد من الإنتاج وتوفير الوحدات السكنية بجميع أنواعها ومستوياتها، كما تشجعهم على تطوير الأحياء متكاملة الخدمات المحققة للأبعاد الصحية والاجتماعية والبيئية والنفسية والأمنية بدل الأحياء الشبكية السائدة.
ختاماً أتمنى أن تطرح وزارة الإسكان حلولاً تعيد الأمل، تقوم على الشراكة مع العقاريين بدل التصادم معهم لحثهم على تطوير الأحياء السكنية المثالية وإنتاج المزيد من الوحدات السكنية المتنوعة التي تلبي جميع الحاجات والإمكانات، كما تؤسس لشراكة فاعلة مع الجهات الممولة الحكومية والخاصة ليتمكن المواطن من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر بضمان دخل الأسرة الشهري.