الطريق إلى محكمة الأحوال الشخصية
أخيراً بدأت وزارة العدل تكوين نواة لمحاكم الأحوال الشخصية من خلال إنشاء دوائر لقضايا الأسرة والطلاق لتخفيف الضغط على القضاة في المحكمة العامة في الرياض، حيث تم تخصيص ستة قضاة مع معاونيهم لمباشرة حالات الطلاق، وستبدأ دائرة الأحوال الشخصية المخصّصة لاستقبال قضايا الطلاق في مبنى قضاء التنفيذ الذي فُصل أخيراً عن المحكمة العامة وأصبح مستقلاً ليكون مسمّى المبنى الجديد ''دائرة الأحوال الشخصية وقضاء التنفيذ''، ويتم تطبيق هذه التجربة في جميع مناطق المملكة خلال الأشهر القليلة المقبلة لتخفيف الضغط عن القضاة الذين يباشرون عدداً ضخماً من مختلف أنواع القضايا.
نعم، هناك انتظار لتعديل مهم سيجرى على نظام المرافعات، حيث سيتم فصل قضايا الأحوال الشخصية عن المحاكم العامة وستباشر دوائر الأحوال الشخصية كل ما يتعلق بالقضايا الزوجية من طلاق وعضل ورعاية أو حضانة وطلب نفقة، وهي بداية لمحاكم الأحوال الشخصية بعد أن تبنت وزارة العدل تفريغ القضاة للعمل القضائي وإنشاء دوائر للنظر في قضايا الإنهاءات من خلال الدوائر الإنهائية لتخفيف العبء عن أعمال المحاكم العامة، إضافة إلى دوائر التنفيذ ودوائر الأحوال الشخصية، ودعمها بعدد من القضاة والموظفين، وذلك لتقليص فترة التقاضي وسرعة البت في القضايا.
نحن نعيش في زمن تنوّعت فيه القضايا التي تُعرض على القاضي أو المحكمة، حيث تعقدت وقائع القضايا وتشعبت التشريعات وزاد فيه حجم العمل أو عدد القضايا التي يكلف بها القاضي أو المحكمة في السنة الواحدة، كل هذه العناصر ذات تأثير كبير في استماع المحكمة إلى الخصوم وقراءة ما يقدمونه من مذكرات وما يرفقونه من مستندات ثبوتية، إضافة إلى مصاعب التنسيق بين الجلسات التي يُفاجأ فيها القاضي يوماً بأنه عضو في نظر قضية جنائية ثم تعرض عليه قضية أحوال شخصية ثم أخرى عقارية، وهكذا يجد القاضي نفسه يتنقل في اليوم الواحد بين شتى كتب الفقه وفروع القانون بما يؤثر في أدائه، بل مزاجه أحياناً.
إن المحاكم العامة هي أكثر المحاكم في المملكة احتياجاً إلى تطبيق مبدأ التخصُّص للقضاة، وذلك لأن حجم العمل المعروض على قضاتها يزيد يوماً بعد يوم في كميته وتعقيدات إجراءاته منذ لحظة تسلُّم القضية وحتى لحظة انتهائها، ولعل وزارة العدل تلمس شكاوى المواطنين من تلك المواعيد التي يتم تحديدها لجلسات القضايا وما يترتب على ذلك من عدالة بطيئة تشجّع على عدم اكتراث من عليه الحق بلجوء خصمه إلى القضاء؛ لأن أمامه مرحلة، بل مراحل طويلة تجعل اللجوء إلى القضاء عملاً غير مجدٍ. فهل هذا ما يشجع اليوم الكثيرين على تجاوز القوانين والإخلال بالتزاماتهم الشرعية والقانونية؟
لقد أصبح تكدُّس القضايا في المحاكم وطول المدد الزمنية التي يتم تحديدها بين الجلسات من المشكلات اليومية التي يعانيها الخصوم، وإن مشكلة تأخير القضايا في المحاكم جزءٌ من تأخير العمل الجاد في تنفيذ أنظمة القضاء الجديدة وتطبيقها عملياً، وكان من الواجب أن نرى اليوم معالمها، فالبحث عن حلول جزئية رغم وجود مشروع تطويري متكامل سيؤدي إلى بحث كل مشكلة على حدة، وهذا يبعدنا عن فكرة التطوير الشامل الذي لا يزال حبيس الأوراق بعيداً عن الواقع رغم مُضي المدة التي حدّدتها الترتيبات القضائية لتطبيق الأنظمة الجديدة، ولا يزال الأمل قائماً في تخصيص أعمال المحاكم وتقسيم كل محكمة إلى دوائر ثم تخصيص هذه الدوائر القضائية بنوع معين من القضايا، وإن أعداد القضاة لا تزال غير متناسبة مع حجم الأعمال الملقاة على عواتق القضاة والمحاكم، وليس هناك مناصٌ من تعيينات جديدة تسد حاجة المحاكم إلى الكوادر البشرية القضائية والإدارية.