لماذا يقتلون الأطفال ؟
لماذا يقتلون الأطفال في سوريا؟ إنه السؤال الصعب المطروح على الضمير الإنساني. ربما يجيبك المفكرون بسيل من الأسباب. ولكن السؤال الأصعب: لماذا لم يقم الضمير العالمي حتى الآن بإيقاف شلال الدم في سوريا؟ ولماذا لم يأخذ القادرون على يد المجرمين؟ فها قد مضى ثلاث سنوات ونصف ومازال تحقيق الأمن والأمان حلماً عند أطفال سورية، ومازالت آمالهم غير منجزة. بل إن أحلامهم تزداد يوما بعد يوم. ربما كانوا قبل فترة ينشدون التخلص من البراميل المتفجرة، فإذا بهم يضيفون إلى ذلك أماني جديدة كأن يأكل أحدهم ولو وجبة واحدة في اليوم، لا أقول وجبة دسمة، بل وجبة وكفى.
ليس ما أقوله تعبير مجرد، فقد سمعت من أحد مسؤولي الإغاثة يوجّه نداء يحث فيه المحسنين على الإسهام بما يستطيعون لإطعام اللاجئين على حدود دولة مجاورة، سبق للسوريين أن استقبلوا أهلها في بيوتهم يوم أصابهم ما أصابهم. ولكن بعضهم قلب للسوريين ظهر المجن، ونسوا قول الحق سبحانه وتعالى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
لم تكن جريمة أطفال سوريا سوى أن أهليهم ثاروا ضد الظلم والطغيان، إذ لم يعد باستطاعتهم البقاء عبيداً تحت البسطار، فنالهم ما نالهم من القتل والتنكيل والتشريد واللجوء والاعتقال والسحل... وزد على هذه الكلمات مما قرأت عن الغزو المغولي وهجوم التتار، وستجد في النهاية أنك لم تصل إلى الوصف النهائي، حيث وصفها أحد الغربيين بأنها حروب العصور الوسطى تجري في القرن الحادي والعشرين.
وقد يسأل سائل: وما الفرق بين العصرين؟ وهو سؤال وجيه، فالإجرام ليس له عصر يخصه، ولا مصر يسكنه! لكن الفارق بين العصرين هو سرعة وصول الخبر! فما يحصل اليوم في زاوية من زوايا الأرض يصل خبره إلى أقاصي الدنيا بسرعة البرق، في حين لم يكن يعرف الناس في العصور الماضية ما يجري في بلدة مجاورة، إلى درجة أن أهل كل بلدة كانوا يصومون ويفطرون منفصلين عن البلدات المجاورة نظراً لصعوبة نقل الخبر. فإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا يتحرك الضمير العالمي لإنقاذ الأرواح؟
عندما تصنّف مواقع صحفية أمريكية مدينة حلب التاريخية على أنها أخطر مدينة للسكن هذا العام على مستوى العالم، فهذا يعني شيئاً كثيراً. فهي المدينة الأقدم في التاريخ، وكانت تقع على خط الحرير، وهو طريق القوافل التجارية بين آسيا وأوروبا منذ القدم، ولم يسبق لها أن صُنّفت إلا ضمن المدن الأكثر حضارة. لكنها اليوم ووفقاً لأقل التقديرات فإن عدد الضحايا حتى الآن بلغ 568 من بين كل مائة ألف مواطن.
العناوين التالية منذ عيد الفطر وإلى الآن تعبر عن نفسها تجاه الطفولة في سوريا: عيد الغوطة: جوع وخوف، ناشطون يحاولون زرع الابتسامة على وجوه الأطفال في العيد، وحدهم أطفال سوريا يتظاهرون في العيد، أطفال سوريون اشتروا أسلحة بلاستيكية ليقاتلوا الشبيحة، الحزن يخيم على حلب في العيد، مقتل عشرة أطفال وستة نساء في أول أيام العيد، دمار جيل كامل من أطفال سوريا، ألعاب أطفال سوريا تتمحور حول الموت والشهادة، أطفال سوريا مهددون بالضياع.
ورشة عمل لتعريف الأطفال السوريين بحقوقهم، الطفولة المسروقة في سوريا، من أين يأتي الفرح لأطفال سوريا، مائة ألف سوري تحت القصف في عرسال، العالم نسي مأساة الأطفال في سوريا، المآسي تحرم ريف حمص بهجة العيد، عودة شلل الأطفال إلى سوريا، مساعدة أطفال سوريا على التعافي من الصدمة، الطفولة في سوريا تدفع الثمن، يعلمون أولادهم ضرب الأطفال السوريين: الطفولة السورية ضحية إجرام تحريضي، منع توزيع المساعدات على الأطفال السوريين، جيل محروم من التعليم في سوريا...
ويبقى السؤال الأصعب على الإطلاق: هل القاتل المباشر لأطفال سوريا هو وحده المجرم؟ أم أن الذين يسكتون عنه وهم قادرون على فعل شيء مشتركون معه في الجريمة؟ لقد نطق بها الشاعر:
الكلُّ مشتركٌ بقتلِكَ، إنّما *** نابَتْ يَدُ الجاني عن الشُّركاءِ
ويبقى السؤال الذي ربما لم يخطر على بال المجرمين: ما هو هذا الجيل الذي سينجو من القتل؟ وما هي الأفكار التي سيحملها؟ وماذا سيتولد في قلبه تجاه العالَم الذي كان بإمكانه إيقاف نزيف الدم ولم يفعل؟
وأخيراً وليس آخراً، لو أني قرأت خبر الحاجة صبرية الخلف التي عمرها مائة وسبع سنوات والتي تم إنقاذها مع تسعين آخرين على شواطئ اليونان، وهي في مسعاها للهرب من جحيم سوريا لتلحق بعشرين من أفراد أسرتها في ألمانيا، أقول لو أني قرأت خبرها قبل كتابة المقالة، لربما عدّلت العنوان إلى: لماذا يقتلون البشر؟