مَن لَكَ بلا إله إلا الله يومَ القيامةِ ؟
سألني صديق: ماذا يجري في بلاد الشام من قتل باسم الدين لأهل العلم والجهاد أو لعامة الناس وهم خارجون من المساجد؟ وكيف يبرر القاتلون أفعالهم ويتهمون الناس بالردّة وهم محافظون على شعائرهم؟.
قلت: من حكمة الله تعالى أن وقعت أخطاء من الصحابة لينزل بها تشريع فتكون نبراساً للمسلمين في كل العصور والأمصار. لكن يبدو أن الذين يقومون بمثل هذه الأفعال اليوم أخذوا قشوراً من الدين وتركوا حقيقته وروحه، ولم يطّلعوا على السيرة النبوية وتاريخ الإسلام.
نقرأ في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ. كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا. إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون وكانوا في سريّة، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته؛ فأنزل الله تعالى الآية. وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله ورد عليهم غنيماته.
وفي تفسير القرطبي، قوله تعالى (فتبينوا) أي: تثبّتوا. وقوله (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) فهو قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله، ومَن قتله قُتل به. وإنما سقط القتل عن أولئك لأنهم كانوا في صدر الإسلام وتأولوا أنه قالها متعوذاً وخوفاً من السلاح. وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالظواهر لا على القطع واطلاع السرائر.
وقوله (تبتغون عَرَضَ الحياة الدنيا) أي تبتغون أخذ ماله. والعَرَضُ من الأثاث ما كان غير نقد. وقوله (فعند الله مغانم كثيرة) أي فلا تتهافتوا. وقوله (كذلك كنتم من قبل) أي كذلك كنتم كفرة فمنّ الله عليكم بأن أسلمتم فلا تنكروا أن يكون هو كذلك أو أسلم حين لقيكم فيجب أن تتثبتوا في أمره. وتكرار قوله (فتبينوا) للتأكيد. وقوله (إن الله كان بما تعملون خبيرا) تحذير عن مخالفة أمر الله، أي احفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم.
وجاء في حديث أسامة بن زيد (بعثَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سريَّةً إلى الحُرقاتِ فنَذروا بنا فَهَربوا، فأدرَكْنا رجلًا، فلمَّا غشيناهُ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فضَربناهُ حتَّى قتلناهُ. فذَكَرتُهُ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: (من لَكَ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يومَ القيامةِ. فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّما قالَها مَخافةَ السِّلاحِ. قالَ: أفلا شقَقتَ عن قلبِهِ حتَّى تعلمَ مِن أجلِ ذلِكَ قالَها أم لا؟ مَن لَكَ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يومَ القيامةِ؟ فما زالَ يقولُها حتَّى وَدِدْتُ أنِّي لم أُسلِم إلَّا يومئذٍ).
أفبعد هذه الآية وهذا الحديث من بيان؟ فلو كان هؤلاء الذي يقومون بهذه الأفعال في بلاد الشام قد قرأوا وتفقهوا لما فعلوا. إنه الجهل بالدين، ولا عذر لجاهل. والمعروف أنه من أراد الصلاة فعليه أن يتعلم كيفيتها، ومن أراد الصوم يسأل عن مفطراته، ومن أراد الحج يستوضح عن أعماله، ومن أراد التجارة فعليه أن يتفقه في أمور المال ليعرف الحلال من الحرام، ومن أراد الجهاد فعليه أن يتفقه فيه ليعرف ما يجوز وما لا يجوز. فالقضية ليست عضلات وسلاح، بل كيف نستخدم هذه الاستخدام الصحيح، وكما قال أحدهم: إنها ليست أزمة وسائل بل هي أزمة أهداف.
وفي إحدى المعارك في زمن أبي بكر رضي الله عنه جزّ أحد المسلمين رأس أحد قادة الأعداء، وقَدِم على أبي بكر به، فأنكر أبو بكر ذلك، فقال: يا خليفةَ رسول الله، فإنهم يفعلون ذلك بنا، قال: (فاستِنانٌ بفارسَ والروم؟! لا يُحمل إليَّ رأسٌ، فإنما يكفي الكتاب والخبر). هذا عدا من مخالفة هؤلاء لأسلوب القتل الذي جعلوه كذبح الحيوانات، ولم يَرِدْ نصٌ شرعي صحيح صريح يدل على جواز ذبح العدو حيًا، فضلاً عن أن يكون سنة نبوية متَّبعة! وأن النصوص وردت بالتفريق بين القتل والذبح، وجعلت الذبح خاصًا بالبهائم. فكيف وهم ينفّذونه بالمسلمين؟