مبادرة التمويل السعودية تستحق التقدير والمعاملة بالمثل

مشاركة السعودية في قمة مجموعة العشرين لو أنها حدثت في الماضي فإن من الممكن أن يُنظَر إليها بنوع من الارتياب. وهناك تصور في أذهان صانعي السياسة الغربيين وهو أن المملكة وبلدان الخليج الأخرى هي مصادر للتمويل أكثر منها قوى تستطيع وضع جدول أعمال (لنظام عالمي).
وكان هذا هو التصور السائد في أواخر السبعينيات. أما اليوم فإن السعودية تعد رابع أكبر بلد في العالم من حيث صافي احتياطي العملة الأجنبية، وهي إحدى بضع دول مختارة ضمن مجموعة العشرين من التي لا تعاني مشكلات تذكر في الاقتصاد الكلي. تمكنت المملكة خلال السنوات الأربع من زيادة حجم اقتصادها إلى الضعف ليصل إلى ما يقارب 500 مليار دولار هذا العام. ومن غير المرجح أن تواجه المملكة أزمة بنكية، أو تراجع العملة، أو العجز في المالية العامة أو في الميزانية خلال المستقبل المنظور. كما أن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي (وهو دين مأخوذ بالكامل من مصادر محلية) هبطت إلى ما دون 10 في المائة، بعد أن سجلت رقماً عالياً هو 105 في المائة في عام 1999.
وتلعب المملكة دوراً حيوياً في حل عدد من أعقد المشكلات والتحديات العالمية، بما في ذلك قضايا العرض والطلب الخاصة بموضوع الطاقة. كذلك فإن من مصلحة المملكة ألا ترى الاقتصاد العالمي وهو يمر بطور المعاناة، على اعتبار أن الطلب على النفط يعتمد على قوة الاقتصاد العالمي.
وفي الوقت الحاضر يُطلَب من المملكة أن تقدم مساهمة إضافية إلى صندوق النقد الدولي. تعد المملكة من أكبر ست بلدان تسهم في الصندوق، وهي واحدة من أكبر البلدان المانحة في المساعدات الدولية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وقبل بضعة أشهر كانت هناك حملة انتقادات موجهة إلى صناديق الثروات السياسية، وهي انتقادات تقوم على مزاعم أن لهذه الصناديق أجندات سياسية تعلو على الجوانب الاستثمارية في اختيارها للاستثمارات الدولية. لا يوجد للمملكة صندوق ثروة سيادي بالمعنى المفهوم للكلمة، وبدلاً من ذلك فإن معظم فائض أموالها النفطية يتم استثمارها في الخارج. وفي الوقت الذي كانت فيه صناديق الثروات السيادية في موجة شراء قوية، فإن المملكة كانت تستثمر أموالها في أدوات مالية تقوم أولوياتها على المحافظة على رأس المال.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 70 في المائة من الاحتياطيات الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) هي على شكل أوراق حكومية أمريكية، وهي تؤمن المساندة والثقة إلى الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني العجز بصورة متزايدة. كما أن ارتباط الريال السعودي بالدولار يعمل على مساندة الدولار في وقت كان كثيرون فيه يراهنون على رفع سعر صرف الريال.
ولكن لا بد للمملكة من إحداث توازن بين الدعوات المنادية لأن تساند المملكة النظام المالي الدولي، وبين الحاجة إلى الاستثمار صمن حدود المملكة، في سبيل تحسين النظام التربوي والبنية التحتية والسعي لتحقيق قدر أكبر من التنوع الاقتصادي.
وفي وقت تمر فيه أسعار النفط بحالة هبوط، هناك مخاوف في المجتمع السعودي حول استدامة مشاريع البنية التحتية والرفاهية الاقتصادية للشعب السعودي. من هذا الباب فإن قرار الصين الشروع في حملة إنفاق محلية ضخمة في المالية العامة هي مثال يمكن تكراره في السعودية.
ورغم أن المملكة تلعب دوراً كمنتج يستطيع التأثير في الاقتصاد العالمي من خلال قرارات التحكم في الإنتاج وبالتالي التحكم في أسعار النفط، وتسعى للمحافظة على استقرار العرض، إلا أن يتعين على الدول المستهلكة للنفط أن تدرك أن استهلاك الوقود الأحفوري في البلدان المتقدمة (بما في فيها بلدان منطقة الخليج العربي) ليس أمراً قابلاً للاستدامة على المدى الطويل. لا بد أن يكون هناك إدراك بأن احتياطي المواد الهيدروكربونية في المملكة هو احتياطي محدود.
وفضلاً عن ذلك فإن مشاركة المملكة في قمة مجموعة العشرين يفترض صحة المفهوم الخاص بالمدى الذي يُنظَر إليها فيه كصوت ممثل لبقية بلدان منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. ولكن هذا يتطلب قدراً اكبر من التوافق والتعاون بين المملكة وجيرانها الإقليميين.
ولكن حتى يتسنى تحقيق هذا القدر الأكبر من التكامل الإقليمي (بما في ذلك الوصول إلى نظام أمن إقليمي)، فإن الولايات المتحدة وأوروبا في حاجة إلى تقديم التزامات واضحة تعمل على بناء الثقة ببلدان منطقة الخليج وليس مجرد الاحتفاظ بوجود عسكري في المنطقة.
إن استعداد المملكة للمشاركة في الهياكل الاقتصادية العالمية ينبغي أن يقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، بحيث تستطيع المملكة تحقيق الاستفادة الكاملة من وجودها في هذه المنظمات الدولية، تماماً كما تفعل الصين والهند. وبالتالي فإن تقديم الأموال إلى صندوق النقد الدولي على شكل مَوْرد للأموال باتجاه واحد ليس خياراً مقبولاً. وإن التزام المملكة بتقديم تمويل إضافي ينبغي أن يتيح لها قدراً أكبر من المراجعة والإشراف.
ويمكن أن يكون صندوق النقد الدولي في موضع من المساءلة أكبر من ذي قبل إذا تم إنشاء مؤسسة للمراجعة، مقرها في المملكة أو منطقة الخليج العربي، على أن تقوم المؤسسة المذكورة بمراجعة أداء الصندوق والأموال المخصصة له. بهذه الطريقة يمكن تحقيق الشفافية فيما يتعلق بمساهمات المملكة وعمليات الإنفاق التي يقوم بها الصندوق. هذه هي الطريقة التي يمكن من خلالها إعطاء المساهمة السعودية الوزن الذي تستحقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي