سامي الجابر:الهروب من الذاكرة!

[email protected]

تودع الملاعب الرياضية مساء اليوم نجم الفريق الكروي الهلالي سامي الجابر، الذي كُرم ليلة أمس، وذلك بعد أن وصل إلى قناعة تامة بأن الأوان قد حان، بعد عشرين عاماً، ليودع الكرة وجماهيره الغفيرة، شعوراً منه بألا يصبح، في ملاعب الكرة، كالذئب الجريح، يهرول دونما جدوى!
وإذا كان المبدعون في المجالات كافة يفرحون في حفلات التكريم والتتويج وحتى التوديع، فإني لا أعتقد أن نجوم ومبدعي الرياضة يفرحون في مثل هذه المناسبات، ذلك أن مثل هذا التكريم، وإن كان نابعاً من حب وتقدير وتثمين، إلا أنه بمثابة رصاصة الرحمة، التي تُطلق عليك لتنقلك إلى عالم آخر من النسيان، بعد أن كنت ملء السمع والبصر!
المشكلة التي يواجهها نجوم الرياضة، ربما دون غيرهم، هي أن الذاكرة الرياضية مخرومة أو ضعيفة، تضيق ذرعاً بتزاحم المبدعين فيها، لذلك سرعان ما تنسى أولئك الذين احتلوا مساحات واسعة في الذاكرة نفسها. والسبب في النسيان هو أن نجوم الكرة كالغيوم! يدفعُ بعضهم بعضاً، أو كالحب الجديد الذي يُنسيك القديم! فما إن يبزغ نجمٌ إلا ويحتل الجزء الأكبر من الذاكرة ومن السمع والبصر على حساب نجومٍ كانوا قد ملأوها!
عشرون عاماً أمضاها سامي الجابر في خدمة ناديه ووطنه، حرث خلالها الأرض، وصعد منصات التتويج طويلاً وهتفت الجماهير باسمه كثيراً، ولربما كان نقطة انعطاف مثيرة في مسيرة الكرة السعودية، وقد جاء بزوغ نجمه في العصر الذهبي للهلال (فترة الأمير عبد الله بن سعد، رحمه الله). وليس من شك في أن سامياً قد أخلص لناديه ووطنه، وعُرف عنه الخلق والأدب، غير أن ثمّة أسئلة عسيرة أطرحها في يوم وداعه، منها أن نادي الهلال طوى اليوم خمسة عقود من تاريخه، فهل سيكون سامي ضمن أهم خمسة نجوم في تاريخه؟! وإلى متى سيبقى سامي حيّاً في ذاكرة الجماهير الرياضية؟! سواءً أكانت جماهير هلالية أم غيرها من الجماهير التي شاكسها سامي طويلاً؟!
ليس لديّ إجابة، غير أني أثق في أن الجيل الذي ولد هذا العام (2008) وهو العام الذي يودع فيه سامي الملاعب، لن يعرف - حينما يشبُ عن الطوق ويقف في مدرجات الملاعب - أنه كان هناك لاعب مثير استثنائي، يُعرف بسامي الجابر! كما أني على ثقة بأن سامي سيحتل حيزاً لا بأس به في صفحات تاريخ كرة القدم السعودية. وحينما أقول حيزاً، فليس ذلك تقليلاً منه ولا من منجزاته، إنما لأن الكثيرين ممن جايلوه وزاملوه في ملاعب كرة القدم خلال العقدين الماضيين، لن يكون لهم نصيب في صفحات التاريخ، لا في متنه ولا في حواشيه! وليس المقام هنا لذكر أمثلة عن الساقطين من ذاكرة التاريخ الرياضي!
يودع سامي الملاعب، وأظن أنه سيتوجه بعد اعتزاله ومن أجل الحضور الإعلامي إلى التحليل الرياضي الفضائي، كما فعل عدد من سابقيه، وكم أتمنى عليه لو يتفرغ، وهو الكاتب الرياضي، لتوثيق وكتابة مسيرته الرياضية مع ناديه ومع منتخبه الوطني خلال العقدين الماضيين. إنه لو فعل فسيقدم سبقاً رياضياً ومنجزاً وطنياً، لا يقل أهمية عما قدمه من ذي قبل. بل لربما أبقاه هذا المنجز في ذاكرة الجيل، الذي ولد هذا العام وما يتلوه من أعوام!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي