مَن يقرع الجرس؟
لقد لفت نظري كم الأنظمة واللوائح المنشور في موقع وزارة التجارة والصناعة الإلكتروني التي بلغ عددها 44 نظاما ولائحة، إنه فعلا عمل يشكر عليه كل من أسهم فيه إلى أن اكتمل بصورته النهائية في موقع الوزارة. نحن لا نرى من المجهود سوى قوائم من الأنظمة واللوائح، يتضمن كل منها عددا من المواد التي تنظم وتقنن النشاط الذي اختصت به معروضة بطريقة يسهل الاطلاع عليها والتعرف على ما تحتويه من نظم وقوانين تساعد المهتمين على التخطيط لأعمالهم وفق رؤية واضحة. لكن السؤال الذي يشغل بال أي مواطن، يعول كثيرا على كل نظام أو لائحة تصدر بغرض حماية حقوقه من أن يتم التعدي عليها، هو: مَن يقرع الجرس عندما يخالف أحد ما هذه الأنظمة؟ هل لدى الوزارة الآلية الكافية التي من شأنها جعل كل المنشآت الصناعية والتجارية تلتزم بهذه النظم واللوائح؟ ومبعث هذا التساؤل هو واقع الحال لعدد من المؤسسات والمصالح التي لديها فقط نظام أو نظامين ونرى ما تواجهه من مصاعب في متابعة ومراقبة تنفيذها، فما بالك بوزارة واحدة لديها هذا العدد من الأنظمة واللوائح كيف سيتسنى لها ذلك ونحن في الوقت القريب مررنا بتجارب كانت مؤلمة نتيجة لعدم الالتزام الكامل من البعض بالضوابط والشروط التي تضمنتها بعض الأنظمة، فقد عانينا من ارتفاع الأسعار في المواد الغذائية، وكذلك مواد البناء كالحديد والأسمنت ولكن بوتيرة أسرع حتى تضاعفت لثلاثة أمثال قيمتها في سنة واحدة، ما استدعى الأمر تدخل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - يحفظه الله - فأصدر قرارا بوقف تصدير الحديد والأسمنت إلى خارج المملكة وإعطاء الأولوية للسوق المحلية، فهدأت بعدها الأسعار واستقرت، ولولا ذلك لكان الأمر مرشحا ليكون أكثر سوءا، ونحن نريد ونتمنى من كل وزارة أن تكون أكثر فعالية للتصدي لأي مشكلة أو ظاهرة تمس المواطن قبل أن تتفاقم ويكبر حجمها بموجب ما تخوله الأنظمة واللوائح من صلاحيات للمسؤولين فيها.
التجارب تدلل على أن هناك عجزا ما عند الجهات الرقابية المسؤولة عن متابعة تنفيذ النظم واللوائح في بعض المصالح والمؤسسات الحكومية، وربما يكون السبب في ذلك يعود للنقص في الكوادر التي لا تستطيع تغطية حجم العمل، وهذا ما أكده وزير التجارة والصناعة السابق الدكتور هاشم يماني عندما ذكر في مقابلة تلفزيونية أن عدد المراقبين في الوزارة على مستوى المملكة 200 مراقب اتفق المراقبين على محدودية هذا العدد لتغطية مساحة شاسعة كالمملكة، ونجده كذلك في ردود كثير من المسؤولين عندما يطالب المواطن بمزيد من الرقابة في تنفيذ بعض الأنظمة، وقد يكون بسبب أمر آخر يتعلق بمستوى الكفاءة في الإدارة أو مستوى التنظيم والانضباط في العمل، لكن المؤكد أن المسؤول في كل وزارة هو أكثر قدرة من غيره على تحديد السبب الحقيقي لما نراه ونلمسه من خدمة غير مرضية، فحكومة خادم الحرمين الشريفين وفرت للمسؤولين في الوزارات كل عوامل النجاح، وأهمها الموارد المالية اللازمة، ولم يبق إلا أن يقوم المسؤول بتحويل هذه الموارد إلى إنجازات يلمسها ويشاهد نتائجها المواطن على أرض الواقع.
ما يثير التعجب ويحتار الإنسان في فهمه هو أننا نرى بعض المصالح الحكومية تتكرر لديها المشكلات نفسها، وكأنها لا تحتاط لذلك فتستفيد من خبرات بعضها البعض، فعلى سبيل المثال، ضعف المتابعة والرقابة في تنفيذ النظم واللوائح يكاد يكون ظاهرة شائعة لدى الغالبية ولا نرى تحسنا يذكر في هذا الجانب وكأن الأمر أصبح محتوما لا فكاك منه ولا علاج له، ولا نرى ما يدل على وجود تنسيق للاستفادة من تجارب الدوائر الأخرى التي استطاعت تجاوز هذه المعضلة أو التخفيف منها، سواء كان ذلك من داخل المملكة أو خارجها في دول الجوار. ففي عرف الإدارة هذا أمر مألوف ولا يعيبنا أن نتعلم من تجارب الغير، فما يعيبنا حقا أن تستمر مشاكلنا من غير حلول وكأننا ننتظر أن تحل المشكلات نفسها بنفسها، وهذا طبعا أمر محال، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فهذه وزارة الداخلية عندما وجدت صعوبة في ضبط المخالفات المرورية التي أرقتنا بما ينتج عنها من حوادث شنيعة نشرت جريدة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر بتاريخ 4/7/1429هـ، خبرا صرح فيه مدير عام المرور اللواء فهد البشر بأنه تمت ترسية رصد المخالفات المرورية على ثلاث شركات من القطاع الخاص للحد من مخالفات السرعة وتجاوز الإشارة الحمراء التي تمثل نصف المخالفات المرورية المسببة للحوادث. إذاً إدارة المرور ستتصدى بهذا الإجراء للحد من 50 في المائة من المخالفات وستتفرغ بما تملكه من كوادر لتغطية النصف الباقي، قطعا بهذه الخطوة سيلحظ المواطن تحسنا كبيرا في نظام السير في الطرقات عندما يبدأ العمل بهذا التنظيم. هذا ما هو مطلوب من كل مصلحة ومؤسسة حكومية أن تبحث بكل الوسائل تقنيا وتنظيميا لإيجاد الحلول فكثير من الشركات الكبيرة أخذت بنظام إسناد بعض الأعمال للمقاولين outsourcing لتتفرغ لمسؤوليات أخرى قد يتعذر تكليف الغير بها أو لتركز أكثر على مسؤولياتها الأساسية.