خدمات العملاء ليست شعارا تتزين به الشركات
ينصح الخبراء في الاتصال والتواصل مع العملاء أن على المشتري لأي سلعة أو خدمة قبل أن يقرر من أين يبتاعها أن يتصل أولا برقم الهاتف المخصص لخدمات العملاء في الشركة المسوقة، فإذا كانت الاستجابة سريعة ولدى العاملين الإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها المشتري فهذا مؤشر إيجابي يرجح أن تكون خدمات ما بعد البيع في الشركة جيدة، كما إنهم يحذرون من أن انشغال رقم الهاتف بصورة دائمة أو وضع المتصل بحالة انتظار لفترات طويلة على الهاتف أو كانت إجابة مستقبلي المكالمات غير واضحة ومبهمة فهذا مؤشر سلبي يرجح أن تكون خدمة ما بعد البيع غير سارة ولا مرضية للعميل.
هل لنا أن نطبق هذه النصيحة على شركاتنا؟ لا أعتقد أن الكثير منا سيبني قرار شرائه لأي سلعة بناء على نتيجة العمل بهذه النصيحة لأن النتيجة معروفة سلفا للكثيرين منا، فقد اعتدنا من الشركات العاملة لدينا أن تتركنا في حالة انتظار لفترات طويلة قد تصل إلى نصف ساعة وربما أكثر، وبعد كل هذا الانتظار لا تستبعد ممن يستقبل اتصالك ألا يقوم بخدمتك وإنما يحيلك على جهاز الرد الآلي مرة أخرى متذرعا أن الخدمة لا تتم إلا من خلال التحويلة الصحيحة، كما أننا أيضا اعتدنا أن يتخلى مندوبو المبيعات وربما حتى الشركة نفسها عن العملاء بمجرد إتمام عملية الشراء، فعندما تواجه مشكلة مع المنتج الذي اشتريته وتبحث عمن يحل لك الإشكال يبادرك من يعمل في خدمة العملاء أو الصيانة أن المشكلة التي تشكو منها هي نتيجة لسوء استخدام حتى تتحلل الشركة من واجباتها، فيبدو أنهم وجدوا في هذا التشخيص للمشكلات ما يعجز العميل عن إثبات عكسه إن هم تمسكوا به كسبب لرفض تقديم الخدمة، فالسرعة التي يقرر فيها العاملون بخدمة العملاء تشخيص الأعطال على أنها ناتجة عن سوء استخدام ينم عن سلوك يقصد فيه العامل البحث عن أسهل الطرق للتخلي عن العميل، ولو أن هذا السلوك كان مرفوضا في الشركة المسوقة للسلعة لما تجرأ العامل وتخلى عن العميل بهذه الصورة، فمعظمنا مر بتجربة أو أكثر غير مرضية مع إحدى هذه الشركات ولا نملك عندها إلا الغضب تارة والتلطف في طلب الخدمة التي تصل حد الاستجداء تارة أخرى إذ لا يبدو أن الشكاوى تعمل على تصحيح الأوضاع في هذه الشركات، فنوعية الشكاوى متكررة، ومن غير الملاحظ أي تطور يذكر في أسلوب التعاطي معها لأن البيروقراطية أصبحت ضاربة بأطنابها في غالبية شركاتنا المساهمة والخاصة على حد سواء. الغريب في الأمر والذي قد يفسر سبب استمرار مثل هذا الضعف عند هذه الشركات إن قلة منها تحرص على الحصول على شهادة الجودة ISO 9000 فهذه الشهادة تهتم جدا بخدمة العملاء، ويحرص المفتشون المرخصون من الجهة المانحة للشهادة عند الزيارات الدورية للشركات الحاصلة على الشهادة بغرض المراجعة والتأكد من الالتزام بإجراءات العمل، أن يكون لدى الشركة سجل لشكاوى العملاء وإجراءات تعالج آثارها حرصا على رضا العملاء ولتفادي تكرار حدوثها في المستقبل باعتبار ذلك مؤشرا يعكس مستوى جودة وإتقان العمل.
من المؤسف أننا لا نملك مساحة كبيرة في عملية المفاضلة في جزء كبير من قطاع الخدمات أو بعض من السلع التجارية المحتكرة تسويقيا من قبل وكيل واحد، فتجربة الاتصال بقسم خدمات العملاء لن تجدي نفعا إن لم تعجبنا فعالية الاتصالات لديهم أو أسلوب العاملين بخدمات العملاء لتفادي الوقوع في شرك المعاناة من سوء الخدمة مستقبلا، لأن البديل غير متاح أو متشابه في المستوى في معظم الأحيان، وهذه النقطة تدركها الشركات المحتكرة جيدا وبالتالي فإن تكرار الشكوى من سوء خدمة ما بعد البيع لا يقلقها لأنه لا يشكل لها خطرا حتى الآن، فالمنافسة لم تصل بعد للحدة التي تدفع الشركات للتحرك في جميع الجوانب التي تحقق رضا العميل.
إذا لا حل لتطوير مستوى الخدمات لدينا إلا بالتوسع في إفساح المجال بشكل أكبر لشركات أخرى تتوافر عندها المقدرة على المنافسة في كل مجال نلمس ضعفا للخدمة فيه وإعادة النظر أيضا بنظام الوكيل الحصري للماركات العالمية، فالرقابة والنظر في الشكاوى وفرض التعويضات لن تجدي نفعا لوحدها، كما أنها عمليا غير فعالة لتحسين الوضع نظرا لطول الوقت الذي تأخذه الإجراءات الروتينية المملة حتى تسفر متابعة أي شكوى عن نتيجة، وبالتالي فإن الحل الناجع لذلك هو بالحد من مزاولة أي نشاط تجاري فيه شبهة الاحتكار وكذلك بتقوية حدة المنافسة حتى تستشعر الشركات صعوبة موقفها وتتبدل أوضاعها لما هو أفضل فلا يكون هناك مجال للاسترخاء على حساب العميل الذي يدفع كامل المبالغ المستحقة عليه مقابل خدمات أو سلع تبيعها شركات لا يحترم بعض العاملين فيها كل الوعود والضمانات التي قطعوها بمجرد دخول ثمن السلعة خزانة الشركة.