البدائل للبدلات الأكاديمية
صدرت لائحة بدلات العمل الأكاديمية لأساتذة الجامعة السعوديين يوم الإثنين من الأسبوع الماضي. وهو أمر طال انتظاره من قبل جميع الأكاديميين ومن يهمهم أمر التعليم الجامعي والبحث العلمي في البلاد. وفي اللائحة إجمال أكثر مما فيها من تفصيل. والأهمية العظمى لموضوع الحوافز الأكاديمية تحتم مناقشته من قبل قطاع واسع من المهتمين به. وليت هذا الأمر حدث قبل الإقرار النهائي للائحة.
هناك ثلاث مشاكل رئيسية تتعلق بتكوين الكوادر الأكاديمية، وهذه المشكلات هي:
أولاًً مشكلة تسرب الأساتذة الموجودين في الجامعات. ثانيا، تحفيز الموجودين على إجراء المزيد من البحوث. ثالثاً استقطاب الخريجين الممتازين إلى العمل الأكاديمي. ويبدو أن اللائحة تحاول حل المشكلة الأولى ومع ذلك فهي لن تكون كافية لأداء ذلك الغرض. وإذا استعرضنا اللائحة نجد ما يلي:
مكافأة نهاية الخدمة: وهي أفضل ما في اللائحة وهي تساعد على استبقاء الموجودين. لكنها لما كانت مرتبطة بعدد سنوات الخدمة وحسب فإنه يستوي فيها المنتج وغير المنتج. لذلك فهي ليست بالضرورة محفزة على إجراء البحوث. وقد تكون مساعدة في حل مشكلة استقطاب الخريجين من مرحلة البكالوريوس إلى العمل الأكاديمي، إلا أن أثرها في ذلك أضعف من أثرها في حل المشكلة الأولى. وذلك لأن الخريج الجديد ينجذب غالباً إلى الأثر المادي المباشر للوظيفة التي يقبل بها فور تخرجه أكثر مما يتأثر بما تؤول إليه وظيفته بعد 20 عاماً أو أكثر. كما أن تعليق مكافأة نهاية الخدمة بحد أدنى 20 سنة من الخدمة فيه إجحاف بحق من اختاره الله إلى جواره أو أصيب إصابة مقعدة عن العمل وهو لم يكمل عشرين سنة من الخدمة. ولذلك أرى أن يكون لمكافأة نهاية الخدمة حد أدنى هو عشرة رواتب بغض النظر عن مدة خدمة الأستاذ الجامعي.
بدل الندرة: لا يساعد على استبقاء من لا تعتبر اللائحة تخصصه غير نادر، ولذلك فإن ما هو غير نادر نسبياً الآن قد يصبح كذلك بعد فترة من الزمن.
بدل الجامعات الناشئة: قد يشجع على هجرة بعض الأساتذة من الجامعات القديمة إلى الجامعات الناشئة، إلا أن الارتباطات العائلية من جهة وإلف المكان وطبيعة الخدمات والتسهيلات الموجودة في الجامعات الأقدم قد تحد من هذه الهجرة. وهذه الهجرة إن حدثت تساعد في سد النقص لدى الجامعات الناشئة لكنها تزيد من حدة المشكلة في الجامعات الأقدم. وهنا يحضرني المثل العامي المصري" أشيل طاقية ده ..أحطها على راس ده". إلا أن هذا البدل يمكن أن يساعد على اجتذاب المعيدين إلى الجامعات الناشئة، ولكن على حساب الجامعات الأقدم أيضا. كما أن أثر هذا البدل سيتناقص بمرور الزمن عندما تشب الجامعات الناشئة عن الطوق، وبالتالي فإنه كلما تناقص حجم هذا البدل أو غيره من البدلات أو أنه ألغي تماماً فإن مشكلة نقص الأساتذة ستكون مرشحة للظهور على المدى البعيد مرة أخرى.
مكافأة الأبحاث التي تحصل على جوائز علمية أو براءات اختراع: لا تحل هذه المكافآت مشكلة التسرب من الجامعات ولا تعمل على تشجيع الخريجين الجدد للالتحاق بالعمل الأكاديمي لا، بل إنها قد لا تكون كافية للتشجيع على البحث العلمي. وبالرغم من أهمية الجوائز العلمية والمكافأة عليها، إلا أنه لا يوجد في أي مكان وزمان فيض من الجوائز، بحيث إنها تدفع الجموع من الباحثين إلى البحث والدراسة. ولذلك فإنه لا بد من إيجاد آلية لمكافأة البحوث عموماً. ويوجد في بعض الجامعات الأجنبية نظام يكافئ الباحث بزيادة دائمة في الراتب مقابل كل بحث ينشره وهذا ما يجب أن يحدث في جامعاتنا.
بدل التدريس الجامعي: تنص اللائحة على بدل مقداره 25 في المائة من أول درجة في سلم الدرجة التي يشغلها عضو هيئة التدريس، وذلك لمن بلغ نصابه التدريسي حده الأعلى. وهذا يعني إعطاء أهمية للتدريس أكثر بكثير من البحث العلمي من ناحية، كما أن فيه إجحافا لمن لم يبلغ نصابه التدريسي أقل من الحد الأعلى، فضلا عن أنه يفتح باب المحسوبية أو سوء استغلال السلطة من قبل رؤساء الأقسام والعمداء تجاه زملائهم، بتفضيل بعضهم على بعض في عدد ساعات التدريس.
كما أنه ليس من المفهوم أن تكون البدلات مرتبطة بأول درجة في سلم الرتبة الأكاديمية التي يشغلها عضو هيئة التدريس. وكأن مطالب العيش لا تزيد بمرور الزمن أو أن معدل الأسعار يتجه إلى الثبات أو الانخفاض.
بدلات ما يسمى بالوظائف القيادية: لا توضح اللائحة ما إذا كان من يحتل منصباً إدارياً يكون أيضاً مستحقاً لبدل التعليم الجامعي. فإن كان كذلك فستزداد المنافسة على المناصب الإدارية على حساب البحث والتدريس. إذ يبلغ البدل الشهري للعميد مثلا 2500 ريال شهرياً وهو ما يساوي 30 ألف ريال سنوياً، أي ما يقارب ثلاثة رواتب لأستاذ مساعد حديث التخرج. وإذا لم يكن الإداري مستحقاً لذلك البدل فإن العكس سيحصل. وغير خاف أنه لا يوجد منطق واضح في التعيينات الإدارية في الجامعات، فضلا عن عدم وجود آلية لمنع استغلال السلطة من قبل الإداريين. وكل هذه عوامل محبطة لكل مخلص وجاد ومنتج.
لا بد لأي حافز حتى يعطي أثره المرجو أن يكون قوياً ومؤكداً بصورة كافية، وهذا ما لا يتوافر في هذه اللائحة. والرأي عندي أن يحول بدل التدريس الجامعي إلى زيادة دائمة في الراتب تشمل جميع الملتحقين بوظائف أكاديمية من رتبة معيد وإلى رتبة أستاذ. هذا إضافة إلى تعديل مكافأة نهاية الخدمة ومكافأة البحث العلمي بالشكل الذي شرحناه آنفاً. يبقى أن أقول إن امتلاك منزل هو حلم كل إنسان وحلم كل عائلة. ولذلك فإنه من المستحسن جداً تخصيص نسبة من ميزانية كل جامعة كل عام لغرض إقراض الأستاذ الجامعي من أجل تملك بيت يؤويه في شيخوخته وعند انقطاع عمره.
أستاذ الاقتصاد المشارك *
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن