من الذاكرة!
ليس الحزن لوحده فقط ما يجتاحك حين تلقيك خبر وفاة إنسان فاضل ارتبطت معه بعلاقة عمل منذ أمد ليس بالقصير. فبعد الترحم والشعور بالفقد تقفز إلى رأسك خيالات السنين العابرة، وتلك الذكريات التي حفر بعضها في الدماغ مكاناً. حدث هذا حين تلقيت خبر وفاة السيد هشام على حافظ، رحمه الله، ذلك الرجل الإعلامي الذي أنشأ مع شقيقه محمد علي حافظ مؤسسات صحفية باتت الآن تشكل إمبراطورية عظيمة يسعد كل منتم إليها بما هي عليه. أشير إلى أن معرفتي بالرجل الفاضل، رحمه الله، كانت تتمحور بتطلع المراسل الصحفي الصغير إلى من هو معني بقيادة المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها، بمعنى آخر إن العلاقة غير متكافئة أبدا.. لكنها علاقة إيجابية، بنيت على تأسيس معرفي ومهني، الكاسب والمستفيد منها هو ذلك المراسل الصغير.. وهو ما يجعل من التبليغ بالوفاة سبيلاً لانهمار الذكريات لتحدث نوعاً من التوازن في المشاهد والمواقف بين الرئيس والمرؤوس عبر السنين التي اقتربت من العقدين هي حصيلة الخبرة المهنية لذلك المراسل الصغير. كان المرحوم السيد هشام حافظ خلال أواخر عقد الثمانينيات الميلادية كثيراً ما يطل على مجموعة المحررين في مكتب الرياض حين حضوره من جدة متسماً بالابتسامة والعاطفة على كل من يقابله.. هذا الأمر مِن ما علق بالذاكرة، التي أخذتنا إلى ذكريات أخرى مرتبطة بذلك الرجل، أهمها التطور المنشآتي والمهني لهذه الشركة، وأخص تلك المباني العتيقة التي عنيت بها هذه المؤسسة الإعلامية خلال عقد الثمانينيات الميلادية، ومنها تلك "الفيلا" في حي الملز وكيف كان العدد المنتمي لمطبوعات الشرق الأوسط وزميلاتها قليلاً جداً ويكاد لا يتجاوز أصابع اليدين الاثنتين مجتمعتين، وكيف كانت الفرحة ظاهرة حين الانتقال إلى العمارة الزجاجية الفخمة "عمارة أبانمي" على أحد أهم شوارع الرياض، ذلك المسمى بشارع الستين، وكيف كان جزءا من دور صغير يضم في جنباته كل المنتمين للشركة السعودية للأبحاث والنشر.. تلتفت شمالاً لتجد عمرو حافظ وعبد اللطيف عمران والطاهر السيد بملامحهم المتقدة حماساً كمعنيين بالشؤون المالية والإدارية.. ومن ثم تقترب من حاسن البنيان ومدحت الشهيدي، ثم صالح الحمادي ومطر الأحمدي.. أسماء حفرت في الذاكرة، بعضها آثر توجهاً آخر والبعض ما زال في إطار الركض خلال هذه الشركة العظيمة ليعيش نموها وارتقاءها. نعم كان الناشر هشام حافظ وشقيقه من المؤسسين الأوائل لهذا الصرح الكبير.. فكان لزاماً أن تفيض الذكريات متتالية ودون توقف حين العلم برحيل ذلك الفارس.. يرحم الله هشام حافظ، ويرحم الله حامل لواء التطوير والارتقاء لهذه الإمبراطورية الإعلامية الأمير أحمد بن سلمان، وكل الأماني أن يوفق الله الأمير فيصل بن سلمان ومساعديه لكي يستمر هذا الصرح الإعلامي الكبير مستمراً بنتاجه العظيم.