حزب الله.. نصر أم هزيمة ؟!
<a href="mailto:[email protected]">alsaif@srmg.com</a>
الحرب الدائرة هذه الأيام في لبنان كشفت لي أنه لايزال لدى (البعض) من مثقفينا العرب إشكالية كبرى تتمثل في معايير النصر والهزيمة! فلا يزال البعض يعتقد اعتقاداً جازماً أن (حزب الله) رغم خسائره، قد ألحق بإسرائيل هزيمة نكراء وأنه كسر أسطورة أن إسرائيل دولة لاتهزم!
هذه الإشكالية تُستنسخ في كل حالة، ومع كل حرب يخوضها العرب، حيثُ تتمثل معايير النصر فيها، بأنه طالما أن (الرمز/ القائد البطل) حياً يُرزق، فهذا يعني النصر بغض النظر عن كل ما قد تخلفه الحرب على الشعوب من خسائر فادحة في الأموال والأنفس والمقدرات.
الرئيس جمال عبدالناصر قاد العرب إلى هزيمة ساحقة في عام 1967، لكنها لم تكن لدى البعض منا هزيمة، والدليل أنه حينما لوّح السيد الرئيس باستقالته بعد الهزيمة، خرجت الجماهير تهتف وتخطب ودّه كي يعدل عن الاستقالة، وقد فعل! وكان السبب في مطالبة الجماهير ببقاء القائد البطل هو ألاَّ أحد غيره سيقودها إلى (النصر) في المعركة المصيرية، متناسيةً الهزيمة الساحقة، التي لحقت بها وببلادها وبجيوشها العربية ليلة البارحة!
ورغم هذه الهزيمة، إلا أن جمال عبدالناصر بقيَ الرمز العربي والقائد الذي لم يُهزم! فهو آخر الأنبياء لدى الشاعر نزار قباني، الذي كتبَ قصيدته الشهيرة: "قتلناك يا آخر الأنبياء قتلناك" (!) وجمال عبدالناصر هو أيضاً (شبيه) بأحد الأنبياء، ولم يكن نبياً لدى كاتب قومي كالشيخ عبدالله الطريقي، عفا الله عنه، الذي يُرجع أسباب (النكسة) إلى أن العرب جميعاً- حكومات وشعوباً_ قد خذلوا جمال عبدالناصر، وكانوا معه مثلما كان بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام (!) حينما تركوه في سيناء وحيداً، وقالوا له: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) فالعرب تركوا عبدالناصر وحيداً في سيناء يشرب دمعه! ولذلك كانت النكسة!
وحينما تضافرت القوات الدولية لإخراج صدام حسين من الكويت، هتفت الجماهير العربية ضد هذا الإجراء (الظالم) بحق البطل القائد الذي سيقود الأمة نحو النصر وسيُعيد لها كرامتها التي مرغتها إسرائيل، رغم أنه لم يعد بإلقاء إسرائيل في البحر، كما فعل سالفه، إنما وعد بإحراق نصفها! ورغم هزيمته الساحقة، ومحاصرته اقتصادياً لأكثر من عشرة أعوام تاليةً لتلك الهزيمة، إلا أنه بقيَ لدى البعض (البطل المنتصر) فهو الذي صمد في وجه الأمبريالية الأمريكية، ولايهم ما لحق بالعراق وشعب العراق من دمار وخراب وتشريد جراء الحصار الذي طال البلد!
ولم يكن القوميون العرب بأحسن حالاً من الإسلاميين! فحينما شنّت أمريكا غاراتها على الدولة الهالكة المُسمّاة (طالبان) وألغتها من الوجود، حيث نقلتها من أرض الواقع (الجغرافيا) إلى الذاكرة (التاريخ) إلا أن كل ذلك لم يكن (هزيمة) لدى البعض، والسبب أن أسامة بن لادن لايزال حياً يُرزق، يتنقل من غارٍ إلى آخر في جبال أفغانستان، وطالما أنه حي، فهذا هو النصر المُبين، ولا يهم ما لحق أفغانستان وشعبها من الدمار والتخريب والتشريد!
مساءات الرياض عامرة! وأحاديث المثقفين تمتد هذه الأيام إلى الهزيع الأخير من الليل، وما من مجلسٍ أرومه أو ملتقى ثقافي أعوده، إلا والحديث عن (حزب الله) وانتصاراته التي حقّقها في حربه مع إسرائيل! وكيف أنه – وهو مجرد حزب - قد كسر تلك الأسطورة التي كُنا نرددها وهي أن "إسرائيل دولة لا تهزم" ويمتد الحديث إلى (بلاغة) حسن نصرالله وفصاحته!
لا أرى أن (حزب الله) قد حقّق أيّ نصرٍ على الإطلاق! بل تكبّد لبنان، وليس حزب الله، خسائر فادحة سيدفع ثمنها اللبنانيون. فالبنية التحتية نُسفت، وقدرات جيش حزب الله انهارت، وربما يلحق قريباً بنظيره جيش القاعدة، ليكون أثراً بعد عين! وليس حسن نصرالله بأفصح من بن لادن، غير أن الفصاحة والبلاغة ليست من مقومات النصر، خاصةً في هذا الزمن!