الجماعة الإسلامية والاعتراف المتأخر!
جادت الأيام الماضية باعترافين مهمين من قبل جماعتين أو حزبين أصوليين في منطقتنا العربية، وقد جاء الاعترافان بعد أن تحملت الشعوب العربية والحكومات نتائج ما أقدمت عليه تلك الجماعات أو الأحزاب!
الاعتراف الأول، هو اعتراف السيد حسن نصرالله بأنه لو كان يعلم بأن عملية أسر جنديين إسرائليين ستقود إلى الدمار الذي لحق بلبنان لما قام حزب الله بعملية الأسر!
اعتراف السيد نصرالله، وإن كان اعترافاً شجاعاً، ألا أن ثمة أسئلة تلاحقه، منها: لماذا لم تُقدّر للعدو قدرته، وتحسب له حسابه؟ ومن الذي سيتحمل نتائج هذه العملية غير المحسوبة؟ وإلى متى تقاد الشعوب من مغامرة إلى مغامرة يكون بعدها الاعتراف؟!
أما الاعتراف الثاني فهو اعتراف الجماعة الإسلامية في مصر، والذي ورد في كتاب "الإسلام وتهذيب الحروب" الصادر عن الجماعة نفسها، والذي تنفرد صحيفة "الشرق الأوسط" بنشر حلقات مطولات منه هذه الأيام.
اعترافات الجماعة الإسلامية في مصر عديدة، غير أني أقف عند الاعتراف الذي تضمن أن استعانة السعودية بالقوات الأمريكية في حرب تحرير الكويت عام 1990 كانت (موقفاً صحيحاً مستنداً إلى أُسس صحيحة وحسابات واقعية سديدة)! وأن (اتهام السعودية بمخالفة الشريعة لاستعانتها بأميركا اتهام خاطئ لأنه بُني على خطأ في تنزيل حكم الاستعانة بغير المسلمين، وعلى خطأ في قراءة الواقع، لأن أزمة احتلال العراق للكويت قد عصفت بالنظام العربي الإقليمي الهش وهددت مصالح دول المنطقة، كما هددت استقرار سوق النفط كسلعة استراتيجية، وفتحت الباب أمام الوجود الأجنبي بالمنطقة لترسيخ أقدامه فيها).
ولم تقف الجماعة الإسلامية عند هذا الحد من الاعتراف المتأخر، لكنها أضافت رداً على المنادين آنذاك بـ"قوة إسلامية عربية" بأن (الدول العربية والإسلامية لا قدرة لديها ولا رغبة عند بعضها للوقوف في وجه صدام حسين، وان اللجوء للاستعانة بهذه الدول سيؤدي إلى إطالة أمد الصراع)! كما تضمن الاعتراف أن الموقف السعودي من الالتزام بتطبيق الشريعة موقف متميز على مستوى دول العالم الإسلامي قلَّ نظيره، وهو ما يستوجب دعمه والحفاظ عليه.
هذا الاعتراف الذي جاء متأخراً هو اعتراف شجاع، وهو أيضاً عمل مشكور، لكنه هو الآخر يقودنا إلى أسئلة عديدة: من الذي يتحمل مسؤولية (شحن) الجماهير العربية والإسلامية وتعبئتها آنذاك ضد ذلك القرار التاريخي وضد السعودية؟ وكم دفعت الشعوب والحكومات العربية من (أثمان) نتيجةً لتلك المواقف التي اتخذتها الجماعات الإسلامية؟ ومن الذي قاد المنطقة وشعوبها إلى ما تعانيه حالياً من قضايا الإرهاب الدولي؟ أوَ ليس ما يحدث الآن من أعمال إرهابية في بعض البلاد العربية إنما ينطلق من المبدأ نفسه الذي أعلنته ورفعته الجماعات الإسلامية آنذاك؟!
وإذا كانت الجماعة الإسلامية في مصر قد أعلنت وبشجاعة عن خطأ موقفها في تنزيل حكم الاستعانة بغير المسلمين وعن عدم إدراكها وفهمها للواقع، فما موقف الجماعات الإسلامية الأخرى في البلاد العربية، التي وقفتْ (وتخندقت) مع صدام حسين آنذاك؟! هل ستعلن تراجعها وتكشف عن أخطائها وتعتذر لأمتها ولشعوبها وحكوماتها العربية؟!
أما السؤال الأكثر صراحة، والذي نريد الإجابة عنه، فهو: ما موقف رموز ومشايخ الصحوة في السعودية من اعترافات الجماعة الإسلامية في مصر، وهم الذين شقّوا (إجماع) العلماء الحقيقيين بمخالفتهم فتوى جواز الاستعانة بالقوات الأمريكية؟! ولم يكتفوا بشق الإجماع، بل غرروا بالكثيرين من أتباعهم بما أسموه بـ"الاحتلال الأمريكي للخليج" بعد ترويجهم لذلك من خلال كاسيتات معنونة بـ"ففروا إلى الله" و "أسباب سقوط الدول" و "سهام في عين العاصفة" وغيرها من الكاسيتات والمطويات التي ألهبت مشاعر الأتباع وقادتنا إلى ما تمرُ به المنطقة اليوم من (عنف) و (إرهاب) و(تطرف)!
هل يملك هؤلاء الرموز والقيادات شجاعة الجماعة الإسلامية في مصر، فيعترفون بخطئهم؟ ولماذا هم (ساكتون) طيلة الفترة الماضية؟ هل ما زالوا على قناعاتهم أم هي مكابرة عن قول الحق؟!
<p><a href="mailto:[email protected]">alsaif@srmg.com</a></p>