الخط الفاصل بين نجاح المشروع وفشله - القطاع العقاري

[email protected]

يشتمل مفهوم الإدارة المهنية للمشروع على تطبيق المعرفة والمهارات، واستخدام الأدوات والأساليب المناسبة في النشاطات كافة، من أجل تحقيق أمرين مهمين يشكلان المعيارين الأساسيين لنجاح أي مشروع ويحولان دون فشله، وهما تلبية متطلبات المشروع، وإنجازه بصورة ترتقي إلى مستوى تطلعات الجهات المعنية به.
ومتطلبات المشروع هي عملياً أهدافه المنشودة التي يجب أن تكون "ذكية" بغض النظر عما إذا كانت أهدافاً تجارية أم أهدافاً تتعلق بالمشروع ذاته، أي بمعنى يجب أن تكون واضحة، قابلة للقياس، مقبولة، واقعية، محددة التكلفة، وغير مستهلكة للوقت.
ولكي يتمكن مدير المشروع من قياس وإعداد تقرير عن مدى تقدم سير العمل، وأيضاً لكي يحصل على الموافقات اللازمة من قبل الأطراف المشاركة في المشروع، ينبغي أن تكون آفاق تلك الأهداف متفقة مع معايير محددة. فحتى تكون الأهداف واقعية، لا بد من أن تكون قابلة للتحقيق ضمن الإمكانيات والموارد والمعرفة والمهارات المتوافرة والمهلة الزمنية الممكنة. وحيث إن المشاريع تخضع دائماً لشَرْطَي الموعد المحدد، والميزانية التي لا يجب تجاوزها، فإنه لا بد من أن تكون الأهداف محكومة بإطار واضح قوامه الزمن والتكلفة.
والأهداف التجارية تتلخص في عبارات واضحة تصف ما يحاول المشروع الوصول إليه. فلنفترض على سبيل المثال، أن شركة تطوير عقاري تريد أن تبني مركز تسوق من شأنه أن يصبح مصدر الجذب الرئيسي في البلد، وبتكلفة قدرها مليار ريال قطري على أن يتم إنجازه بحلول 2010. هنا ينبغي على المطور أن يعبر بوضوح عن الأهداف التجارية للمشروع، التي تتمثل في هذه الحالة في بناء مجمع فخم مع جزء سكني ومركز تسوق، قادر على استقطاب مستثمرين عالميين، وعلامات تجارية شهيرة.
وفي المقابل، فإن الأهداف الخاصة بالمشروع هي المخرجات التي تعكس ما يجب أن يحققه المشروع حتى يحظى بقبول رسمي من المالك. وهذه المخرجات تشمل أي منتج نهائي مثبت ويرمي إلى تقديم إحدى الخدمات التي تتضمنها خطة إدارة المشروع، والضرورية لإكمال المشروع. ويوجد نوعان من المخرجات، النوع الأول: يتمثل في مخرجات مادية مثل بناء مجمع سينمائي متعدد الصالات كجزء من مركز التسوق ووفقاً للمعايير الدولية وفي إطار متطلبات المشروع. أما النوع الثاني: فيتمثل في مخرجات إدارية، مثل إنجاز المجمع السينمائي المتعدد الصالات (1) في موعد محدد هو 30 حزيران (يونيو) 2008 وبتكلفة لا تتجاوز 100 مليون ريال قطري.
ولعل أكثر الحالات حساسيةً وتناقضاً في قطاع العقارات تتلخص في أنه عندما يتم إطلاق المشروع، يحدث أن تُنسى الأهداف التجارية في الغالب، أو لا يتم توصيلها رسمياً إلى الجهات المسؤولة عن تسليم المشروع، حيث يتحول الاهتمام بالكامل إلى الأهداف الخاصة بالمشروع. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: كيف يمكن للمطور أن يعتبر المشروع ناجحاً حتى لو تم إنجازه في الوقت المحدد وضمن الميزانية المتفق عليها وطبقاً لمعايير الجودة المعتمدة، طالما أن هذا المشروع لم يستطع استقطاب المحال والعلامات التجارية الكبرى؟ هل باستطاعتنا القول إن هذا المشروع ناجح؟ هناك شك في ذلك.
أما القضية الثانية التي تلعب دوراً أساسياً في نجاح المشروع أو فشله، هي كما ذكرنا، تلبية تطلعات الجهات المعنية. والواقع أن تعبير "الجهات المعنية"، قد يثير في العديد من الحالات، نوعاً من الحيرة حول معناه، وجدلاً حول السبب الذي يكمن وراء الحاجة إلى تحليل تطلعات تلك الجهات بدقة، والتأكد من أن متطلبات المشروع منسجمة مع تلك التطلعات. فالجهة المعنية قد تكون فرداً أو مجموعة أفراد لها نفوذ في المشروع، إما لكونها صاحبة قرار، وإما لأنها الجهة الاستشارية التي تلعب دوراً في اتخاذ القرار؛ وقد تكون المستخدم للمشروع خلال عملية الإنجاز أو بعد اكتمال المهمة، أو ربما تكون إحدى ضحايا المشروع في حال فشله. وعليه قد يشمل تعبير "الجهات المعنية"، من خلال هذا التعريف العام، مالك المشروع، ومدير المشروع، وفريق العمل، والمستخدم النهائي للمنشأة، أو المنتج أو الخدمة؛ والشركة المنفذة، والمجتمع، وقطاع الإعلام، والحكومة والعديد من الأفراد والمؤسسات.
وبالعودة إلى مشروع بناء مركز التسوق، نجد بسهولة أن الجهات المعنية الواضحة هي في هذه الحالة، المطور والهيئات الحكومية والمستشارون والمقاولون، والعلامات التجارية العالمية، إضافة إلى المتسوقين وشركات التسويق التي ستروج للمركز، والبلدية التي يجب أن توفر البنية التحتية اللازمة، والمجتمع الذي يقطن المنطقة التي سيبنى فيها المشروع، كما يمكن إدراج وسائل الإعلام في القائمة.
ويتم تحديد مدى أهمية كل جهة معنية في المشروع، بناءً على مدى نفوذها، ومستوى تأثيرها في العناصر الحيوية للمشروع مثل الموارد والأداء وبالطبع احتياجات المشروع. ومستوى هذا النفوذ قد يتراوح بين البسيط والحيوي أو قد يكون معدوماً. ولذلك، لدى تقييم الجهات المعنية بالمشروع، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار مستوى نفوذها وحجم مصلحتها في المشروع، حتى يتمكن مدير المشروع من وضع الاستراتيجية المناسبة للتعامل معها.
ويبرز تحد آخر أثناء تحليل احتياجات الجهة المعنية بالمشروع، وهو أن هذه الاحتياجات ليست ثابتة بل متغيرة. وبعبارة أخرى، إن تطلعات الجهات المعنية التي تم تحديدها خلال المراحل الأولى للمشروع، قد تتبدل في مراحل لاحقة لأسباب عديدة. فقد تطلع الجهة المعنية على تقنية جديدة، أو ربما تعمد إلى زيادة الميزانية، أو لعلها تضطر إلى تغيير استراتيجيتها لتعزيز قدرتها التنافسية، وغيرها من الأسباب. وهكذا، فإن الإخفاق في رصد هذه التحولات سيكون له انعكاسات سلبية على المشروع، وقد يؤدي إلى فشله. فالتحليل الخاطئ يمكن أن يحوّل النجاح إلى فشل.

الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "سي. إم. سي. إس"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي