غفلة المستهلك.. أم شطارة التاجر؟

ما يحدث في أسواقنا هذه الأيام شيء غريب وعجيب, فالأسواق العالمية تئن من وطأة الأزمة المالية وبسببها تتعرض شركات كثيرة للإفلاس أو تحقق خسائر لم تشهد لها مثيلا من قبل أو تغلق بعض فروعها أو تسرح الآلاف من العاملين فيها, واستجابة لمظاهر الكساد التي تخيم على الاقتصاد أصبحت هذه الشركات تجري خصومات كبيرة على منتجاتها لتشجع الزبائن على الشراء أملا في استعادة الأسواق لزخمها بشكل تدريجي, ولكن على الرغم من كل ما يحدث في تلك الأسواق تظل حال أسواقنا محيرة ويصعب تفسير آلية عملها فالأسعار لا تنخفض بالوتيرة التي تحدث في الأسواق العالمية نفسها مع أننا نستورد غالبية احتياجاتنا من المواد الغذائية والكمالية من تلك الأسواق, كما أصبحنا نلاحظ ارتفاعا واضحا في أسعار بعض السلع لدينا مقارنة بالأسعار في بعض الأسواق المجاورة تراوح بين 20 و30 في المائة, فلماذا يتجاهل كثير من التجار لدينا هذا الواقع ويصرون على إبقاء الأسعار كما كانت عليه قبل الأزمة المالية أو جعلها تنخفض بشكل بطيء لا ينسجم مع معطيات الأسواق العالمية, فأسعار الأرز وبعض المواد الغذائية أكبر شاهد على واقع الحال حيث ما زالت تباع في معظمها بالأسعار السابقة نفسها والبعض أجرى تخفيضا بسيطا في حدود 10 في المائة ذرا للرماد في العيون, وقد طالبت لجنة حماية المستهلك في بيان وزع أخيرا على وسائل الإعلام بضرورة استجابة تجار الجملة والتجزئة في المملكة لما يحصل عالمياً من انخفاض عام في أسعار معظم السلع والخدمات ولكن لا حياة لمن تنادي.
آخر ما تفتقت عنه ذهنية تجارنا الأفاضل في سبيل إبقاء أسعار الموديلات الجديدة على ما هي عليه وتصريف الموديلات القديمة دون تخفيضات مشجعة, أن قام أحد المتاجر بالاشتراك مع أحد البنوك في حملة لبيع هذه المنتجات بأسعار مرتفعة قياسا لأسعارها في الأسواق المجاورة مدعيا أنه يبيع تلك السلع بالتقسيط ومن غير عمولات فقط لحملة بطاقة الائتمان الصادرة من ذلك البنك, والغريب في الأمر أن كثيرا من المترددين على هذا المتجر استجابوا لهذه الدعاية وصدقوا الحملة وأخذوا يتدافعون لاغتنام الفرصة دون التأكد من صحة ما يدعي مروجوها من خلال مقارنة أسعار هذه السلع بمثيلاتها في أي دولة مجاورة أو من خلال الإنترنت, إذ يبدو أن العناوين تجذب المستهلكين فتجعل كثيرا منهم يندفعون في عملية الشراء دون التدقيق في الأسعار لتحديد مدى عدالتها, وربما تفاجأ المستهلكون بعد وقت قصير من انتهاء الحملة بأن الأسعار قد تم تخفيضها وأن السلع التي اشتروها بالتقسيط صارت تباع بفارق سعري أقل يعادل مقدار العمولة غير المعلن أثناء تلك الحملة "فكأنك يا أبو زيد ما غزيت" وكل ما حصل أن الحملة استدرجت بعضهم لشراء سلعة لم يكونوا في حاجة إليها ولكنهم أقدموا عليها بسبب التسهيلات المزعومة في البيع.
أعتقد أن لجنة حماية المستهلك عليها مسئولية كبيرة في هذا الصدد فهي بحاجة إلى تكثيف نشاطها التوعوي للاستهلاك الرشيد بين المواطنين من خلال عقد الندوات في مختلف وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لكي تسهم في تثقيف المستهلكين لمواجهة بعض الحملات الترويجية التي تلعب على وتر الظفر بفرص البيع التي لا تتكرر, والتي تهدف إلى إثارة رغبة المستهلكين في الشراء وصرف جزء كبير من دخلهم على سلع ليسوا في حاجة إلى اقتنائها ولكنهم أقبلوا عليها فقط من باب الفوز بالصفقات الناجحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي