لماذا يشكو العاملون دوما من تقويم الأداء؟
في نهاية كل عام تقوم الشركات والمنظمات في القطاعين العام والخاص بإجراء تقويم لأداء العاملين فيها، وتتدرج الاحترافية في التقويم من حيث كونها عملية روتينية أو أنها وسيلة لتطوير وتحفيز العاملين بحسب قوة الترابط بين عملية التقويم ونوع ومقدار الزيادة التي تصرف كعلاوة سنوية، فالعامل في نهاية المطاف إنسان له احتياجاته وطموحاته المشروعة التي يسعى لتحقيقها، فهو يجد في عمله رغبة في نيل العائد المادي الذي يؤمن له ولأفراد أسرته الاحتياجات الأساسية والكمالية، كما أنه يجتهد في أدائه رغبة في إشباع طموحاته وتحسين مكانته الوظيفية والاجتماعية، وكل هذا لا يتحقق إلا في مناخ صحي تسود فيه روح المنافسة الشريفة وآلية منضبطة لتقويم الأداء ونظام دقيق للأجور مبني على معطيات المسح الدوري للأجور في سوق العمل.
في القطاع العام العلاوة السنوية مبلغ محدد مقداره سلفا في سلم الأجور يتم إضافته إلى الراتب بشكل آلي في بداية كل عام، وبالتالي هي لا تخضع في الحجم إلى درجة التقويم التي يحصل عليها الموظف ولكن قد يحرم البعض منها في حالات محدودة، ويبدو أن المشرع وضعها بهذا الشكل لكي يبسط التعامل معها، فهي لا تحتاج إلى إجراءات تنظيمية ورقابية مطولة حتى يتم صرفها أو أن يكون قد قصد تجنب الخلافات والاعتراضات التي عادة ما تحدث بين العامل ومديره عند صرف العلاوة السنوية. هذا الأسلوب في صرف العلاوة السنوية لا يجعل لتقويم الأداء وظيفة تطويرية أو أثرا محفزا لزيادة الإنتاجية، لأن الدافع المادي شبه معدوم ويكاد يكون محصورا في الجانب المعنوي، ومع تسليمنا بأهميته إلا أنه يبقى غير كاف لجعل الموظف أو المسؤول يعطي عملية التقويم الأهمية المطلوبة، وبالتالي يحسب الحساب للنتيجة التي سيسفر عنها، لذلك لا نرى لها أي أثر إيجابي في أداء الموظف في القطاع العام، بل قد تلعب دورا معاكسا بحيث تصيب الموظف بالإحباط جراء شعوره بعدم التقدير عند مساواته في العلاوة أو التقويم مع الأقل منه في مستوى الأداء.
يختلف تقويم الأداء في القطاع الخاص عنه في القطاع العام، فهو يتميز بأنه أكثر تنظيما ومرونة، كما أن العلاوة السنوية تصرف بموجبه ويختلف مقدارها بحسب درجة التقييم هذا من حيث المبدأ، لكن الشركات متفاوتة في مستوى التنظيم الذي تتبعه في إجراءات التقويم وصرف العلاوة، فمنها من يمنح المسؤول صلاحيات واسعة في حدود سلم الأجور المعتمد، ومنها من يقوم بوضع ضوابط تقيد صلاحية المسؤول، كأن يتم توزيع مستويات التقييم وفق بيان التوزيع الطبيعي لتقويم الأداء يكون فيها الخط البياني على شكل منحنى الجرس BELL CURVE SHAPE ويتم فيها تحديد نسبة لكل مستوى من التقييم بحيث يشكل المجموع 100 في المائة، ويقصد من هذا الإجراء وضع إطار لصلاحيات المسؤول خوفا من أن تنحرف عملية التقويم عن مسارها السليم الذي يخدم أغراض الشركة، كما يتم تحديد مقدار من العلاوة لكل مستوى من التقييم له حد أعلى وحد أدنى فيتم تحديد العلاوة أيضا بحسب مستوى الأجر، وفي كل سنة يتم تعديل مقدار العلاوة المخطط صرفها بحسب مستوى التضخم ومستوى الأجور في سوق العمل.
كل تلك الضوابط والإجراءات تهدف إلى جعل عملية التقويم وزيادة الأجور منظمة ومقننة لكي يتم الحد من التأثيرات الشخصية غير الموضوعية عليها فتكون أقرب لتحقيق العدالة وتؤدي وظيفتها في تطوير وتحفيز الأداء عند العاملين، لكن قد تتسبب بعض الممارسات الإدارية الخاطئة في إفساد الأثر الإيجابي لهذه الضوابط والإجراءات فتجعل العامل لا يدرك بوضوح العمل الذي يجب أن يركز عليه من وجهة نظر المنظمة مثل عدم تحديد الأولويات في مسؤوليات وواجبات العامل أو تحديد أهداف فضفاضة لا يمكن قياسها أو ضعف وتضارب التوجيهات العامة من الرئيس المباشر، عندها يكون تقويم الأداء محبطا لكلا الطرفين العامل ورئيسه لأنهما سيُقدمان على عملية تحيط بها الألغام من كل جانب، فكيف يستطيع المدير أو الرئيس أن يقيم أداء عامل لم يتفق معه من بداية العام على الأهداف والأعمال والنتائج الواجب إنجازها وتحقيقها، قطعا سيحدث بينهما تصادم واختلاف من البداية لأنه لم يقم بتهيئة الأرضية السليمة لنجاح عملية التقويم من وقت مبكر، فلو تم قياس معنويات العاملين في كثير من الشركات قبيل وبعد نهاية عملية تقويم الأداء لوجدناها في أسوأ حالاتها، فالعاملون في المجمل متوجسون أو غير راضين عن النتائج، كما أن المديرين والرؤساء المباشرين متوترون بسبب الضغوط النفسية الناتجة عن المصادمات والاعتراضات التي تصاحب هذه العملية.