فضاء الكفاءات الغبية
أحدث الإعلام الفضائي صدعا في جسر التواصل المعرفي والمعلومات بين المؤسسات العلمية والتعليمية وبين المتلقي، ولرأب هذا الصدع، فإن السعي الحثيث إلى الحلول واستمطار الرؤى والأفكار من شأنه أن يعيد للمعلومة وهجها، وللعقول شوقها إلى التلاقي المعرفي مع تلك المعلومة وقنوات الاتصال.
ينبغي أن نرفض الرضوخ والاستسلام، ولا بد أن تعي مؤسساتنا المعرفية والثقافية والإعلامية أن هذا التسطيح الذي تفرضه القنوات الفضائية والتسفيه للعمق الثقافي العربي الذي له قيمه ومبادئه وأصالته التي لا بد من الحفاظ عليها، واستجلاء ملامحها من جديد بأنماط أكثر جدة وأعمق تشويقا.
لقد بات واضحا ذلك التسطيح الثقافي والإعلامي واللغوي بين منفذي البث الفضائي، وأخذت الجهالة زخرفها على ألسنتهم، وامتد الأثر لينال المتلقي الذي يتابع، ويتلقى مطرا من الأسئلة الغبية والإجابات المعوقة، ما أدى إلى أن يكون الفضاء اليوم المعلم الأكثر جهالة والأوسع سطحية، ونجم عن ذلك إيجاد جيل من الجهلة جعلوا من المظهر غاية، ومن اللهو والعبث معرفة وعلما.
لابد أن تعي مؤسساتنا الثقافية أن الأمر بات خطيرا، وأن العمل من أجل إنقاذ عقول الجيل ليس بالأمر الهين ولا بالسبيل اليسير. إنها مهمة شاقة تتطلب تضافر الجهود بين قطاع المعرفة، وقطاع المال لصناعة المعرفة وفق هويتنا وملامحنا الثقافية، وإلا فإن السير بهذه الهشاشة في بناء المعرفة وصقل العقول الشابة لن يؤتي ثماره، بل هو هدر للوقت في حين تتمادى هذه الفضائيات في جهلها وتجهيلها للأجيال واستثمار قطاع المال وإعلانات الإغراء في جمع المال وتسفيه الناس، وما نشاهد من تنافس حاليا بقنوات التعليم والمعرفة يبدو مؤلما لتواضع الإمكانات المادية التي تدعم مثل هذا التنافس، فالإعلان الداعم الرئيسي لنجاح أية قناة فضائية فازت به قنوات التسطيح واللهو غير البريء!!
أليس من الجميل أن نعيد صياغة أساليب العمل المعرفي والمكتباتي لدينا بحيث نخرج إلى المجتمع بقوة إعلامية تزيح من الفضاء ما تسبب في إعاقة نمو المعرفة في عقول الجيل، وسلب الشوق والتشويق إلى الإبداع الثقافي.
ليس من السهل المضي في عمل كهذا يقاوم ويبني في آن معا. إن اقتحام هذا المجال سيكون أمرا عسيرا جدا، ولكنه غير مستحيل، إن ترك المساحات المفتوحة في هذا الفضاء الواسع التجهيل يعني أننا سوف نجد مزيدا من الجهلة وقلة من العارفين.
لا أعتقد أن الجهود الحالية في بلادنا قادرة على التصدي لهذا الواقع المعلوماتي، فبناء المعرفة يتطلب تضافر الجهود وترجمة الأماني في صياغة عقول الجيل ليكون أكثر نضجا فكريا، وأسمق معرفيا، وأشمل خبرة ودراية.
ويبقى المال الحاسم الأكبر في أي تنافس، فبالمال تصنع المعرفة وتستقطب العقول المؤثرة في عملية المنافسة الفضائية من أجل رسم ملامح جديدة وتنقية العقول الشابة من ميوعة الفضاء الضارب في أعماق العبث والتجهيل.
إن الوطن للجميع، والعمل مطلوب من الجميع، فلم يعد الأمر مجرد أمنيات ترتجى، بل سعي دؤوب وعمل مستمر وتعاون مثمر.