مراحل ونظريات تطويرية وتحديات في الطاقة الشمسية

بعيدا عن الردود والمداخلات الإعلامية والكتابات التي صاحبت موضوع الطاقة الذرية والمتجددة سواء الواعية الناضجة منها، أو غيرها التي ما لبثت تنشطر ذهنيا لتتشتت في وقتها ولن تخرج من نطاقها ومحيطها، لكنه من المنطق في ظل الحراك الفكري الذي بدأت تتحرك فيه العقول، وتُسْتَنْطَق من خلاله الأفواه، وتُحَرَّر الكلمات الوطنية الصادقة من فحواه، والمُنشَدَّة تحديدا نحو النسق التحليلي التخصصي المستقيم المقنن المفيد، أن ندعو لبلورة الغايات الحقيقية للخطط والأهداف الموضوعة في استثمار الطاقة على الأرض إلى واقع عملي من غير تنظير ولا تحوير، نظير ما أفرزته وتيرة الغليان والرغبة المُلِحَّة لحماية البيئة من جور الإنسان، والأهم الذي يشد العالم بأسره هذه الأيام؛ هو الحفاظ على الأرض والطبيعة من نضوب الطاقة عبر الزمان، لنبقيها لأجيالنا كي يعيشوا في أمن واستقرار وأمان.
فما يهيج النفس ليفتح ويوسع مداها ويخلخل تشابك عََُقَدُها ورؤاها، شالاًّ جهلها ولجاجتها ومبهجا ليلها وضحاها، هو الوضوح والمصداقية في تنمية الموارد البشرية واجتثاث الاحتكار، يصاحبه التحفيز واستحثاث الأفكار لانطلاق الإبداع والابتكار، الذي يُنْحَتُ في قاموس العقلاء ويستوطِن فضاء عقول النبلاء، فمن يملك غير هذا فليحاول أن يستند وحده ويقف طويلا إن استطاع.

#2#

فكل ما ينطلق من آراء ونقد بناء بعيدا عن زخرف القول ظاهريا والافتتان، يعتبر نتيجة طبيعية للمساحة الرحبة الواسعة التي وفرتها الثقة القيادية في الإعلام، فتقاذفها بِحِرَفِيَّة كثير من أصحاب الخبرة ومن الشباب الناشطين المتحمسين للتغيير، وبتعبير آخر أدق ضمن أدوات التطوير المستمر، هو دخول هؤلاء المتحمسين معترك العصف الذهني (Brainstorming) والذي يعتبر بحد ذاته مهما، لكنه يظل غير متكامل من ناحية الاحتواء التام للمشاكل والقضايا التطويرية جراء اعتماده على التنبؤ والحدس، وربما يُثقل بتداخل آراء غير متناسقة تشتت الحقيقة، وقد يترك كثيرا من الآراء المهمة من أفراد لم ينضموا لفريق العصف الذهني المفترض، أما الجانب التطويري الآخر المنهجي المتخصص المتكامل والمتكرر التحليل والتجربة والتقييم، هو الأهم والأعمق للوصول إلى الصواب، والذي يستند إلى المنطق والمعلومات والبحث العلمي المسمى بـريتز ''RITZ'' من كلمة مختصرة روسية لنظرية ابتكار واختراق الحلول للمشاكل ''Theory of Inventive Problem Solving'' والذي خرجت في أربعينيات القرن الماضي، وتتخذه وتعتمد عليه كثير من الأدوات التطويرية والبحثية الحالية.

ومن أجل التوضيح الذي ينتاب كثير من المتطلعين لمعرفة مغزى الخوض والتوجه الاستراتيجي العالمي للاستثمار في الطاقة الشمسية تحديدا ضمن المجموعة الاستثمارية للطاقة المتجددة، أود أن أورد بعضا مما تحويه الساحة العلمية البحثية والصناعية التنفيذية من منظمات ومراكز أبحاث ودوريات وجامعات ومصانع، وأَبْسُطُها أمام المتلهفين لمعرفة الحقائق والتحديات التي تواجه هذا المشروع الحيوي، ليس تقليلا من شأنه لكنه فرز تحليلي لما يدور بين ثناياه، فعملية تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية بشكل مبسط؛ هي نتاج كهرومغناطيسي وحرارة أيضا من خلال المؤثرات الضوئية الناتجة من امتصاص الفوتون الحاضر في أشعة الشمس داخل الرقائق شبه الموصلة في الخلية الشمسية، مخلخلا الإلكترونات السالبة المتواجدة في ذرات الرقائق وسامحا لها بالتجوال نتيجة التركيبة الخاصة في الخلية الشمسية المؤدية إلى إنتاج الكهرباء الذي يتم تحويله إلى تيار مباشر (DC)، إضافة إلى ارتباط المشاريع الكبيرة بحافظات لتلك الطاقة وتسمى أحيانا بالبطاريات الشبكية التي تعمل على حفظ الطاقة لأوقات الحجب الشمسي، أو لنقلها لمناطق أخرى، وهو ما تسعى إليه الدول الأوروبية حاليا من خلال استثماراتها في شمال إفريقيا، توضيحا للذين يلتبسون بكيفية نقل الطاقة إلى أماكن بعيدة.

وقُبَيْل الخوض في الدراسات التطويرية الحالية، علينا أن نضع بصمتنا على المسلمات التي ترافق إنتاج الطاقة الشمسية من ناحية الكفاءة والمساحة ونوعية المواد والرقائق المصنعة المستخدمة، التي بدورها ترتبط ارتباطا جذريا بالانجذاب الاستثماري والتوسع في الاستخدام حيال التكلفة وتقليصها، فهناك ثلاثة مواقع تساند الاستثمار والتوسع جلية وواضحة من خلال الأبحاث الراهنة في مكونات الخلايا الشمسية وتوابعها، ورابع قد نستثنيه مؤقتا في الاستثمار من خلال ما يتم الإعلان عنه ويتم شرحه في الرسوم البيانية لوضع الأبحاث العالمية المعلنة.

1- تطوير صناعة رقائق الخلية والتمكين من زيادة الدقة والثبات في سمكها لمادة مستخدمة حاليا CIGS (Copper-indium gallium selenide) والبديلة لسابقتها (Silicon-based solar energy devices)، بطرق حديثة تسمى المفاعلات الصغيرة المتواصلة عوضا عن العمليات التصنيعية المنقطعة التي ينتابها عدم الدقة وكثرة الهدر في المواد والوقت التصنيعي وزيادة التكلفة تباعا، وهو ما تقوم به حاليا ونجحت مخبريا جامعة أوريجن بأمريكا بالتعاون مع جامعة ينج نام بكوريا الجنوبية والمنشور بدورية الفيزياء التطبيقية الحالية ''Current Applied Physics'' والذي لم يخرج تجاريا لحد الآن.
2- النجاح في تصنيع مواد حديدية (Low-Carbon-Steel) أرخص ثمنا عوضا عن مواد تستخدم حاليا مثل الحديد المقوم الغالي الثمن (Stainless–Steel) أو التيتانيوم التقليدي أو البوليمايد، وهو ما تقوم به شركة تويو كوهان المحدودة مع مركز أبحاث ''AIST'' الياباني في إنتاج الركائز التي تفرد عليها رقائق الخلية الشمسية، من حيث سهولة الفرد على الهواء الطلق مقارنة بما يتم حاليا من تكاليف كبيرة في الفرد بواسطة عمليات التفريغ (Vacuum Process) والمحدودية المساحة خلاف ما توفرها المادة المعدنية الجديدة، والتخطيط لخروجه تجاريا عام 2011.

3- تطوير وإعادة توظيف عملية معكوسة لتصنيع بطاريات حاضنة شبكية للكهرباء من خلال تفاعلات وصهر معادن في داخلها لإنتاج طاقة أكبر أو امتصاص طاقة، تحت إشراف باحثين متخصصين في معهد ''MIT'' الأمريكي، وهي معلنة في المنظمة الأمريكية للمعادن ''ASM''.
4- البحث عن مواد جديدة لرقائق أكثر فاعلية وكفاءة، لعلي لم ألحظها في تجوالي وبحثي في المواد المعلنة وقد تكون تحت الدراسة وتنتظر النور، ولكن لا يمكن الجزم بها ووضعها ضمن الأطروحات المحسوسة للاستثمار الاستراتيجي أسوة بالأبحاث القائمة والواضحة التي تصدر ويتم الإعلان عنها، ومختبر الطاقة المتجددة المحلي في أمريكا (NREL) يوضح من خلال المشاهد والتوضيحات في الرسوم البيانية مدى التنوع والإحداثيات المتغيرة للمواد المستخدمة منذ السبعينيات في القرن الماضي إلى يومنا هذا، مستدلا بالتغير البسيط الذي لا يتعدى وصوله إلى 20 في المائة من الكفاءة للمواد المستخدمة حاليا والأخرى السابقة عالية التكلفة التي تصل كفاءتها 25 في المائة مخبريا، وأما واقعيا فلا تتعدى وتتأرجح فوق 16 في المائة بقليل للجميع تقريبا و25 في المائة لأخرى عالية التكلفة تصل مخبريا إلى 40.6 في المائة نتيجة القدرة في التمامية ''Reliability'' على التصنيع التجاري المنضوي على التحديات والهدر.

الدلائل والوقائع العملية والبحثية تعطي تصورا صعبا للغاية في الحصول في الوقت القريب على خلايا وتجهيزات طاقة شمسية عالية تتعدى 16 في المائة لنتمكن من اعتبارها مصدرا قويا للطاقة في الوقت الراهن، مضافا للتحديات البيئية للدول التي تنوي الاستثمار فيها والمساحات الكبيرة المطلوبة لذلك، ولا ننسى الأمور المتعلقة الأخرى من صيانة مقننة بمهارات بشرية مدربة، وتآكل واهتراء للمواد المستخدمة، وتوافر أجواء مفتوحة نظيفة لا تؤثر تأثيرا مباشرا في الكفاءة، ونذكر منها أجواءنا المغبرة طوال العام التي قد تُخلَِف وتترك طبقات عازلة من الطين على الشرائح والخلايا الشمسية مؤثرة بطبيعتها في الكفاءة في انتقال الفوتون في عملية الإنتاج الكهرومغناطيسي من المؤثرات الضوئية والاحتياج المستمر لإزالتها، إلى ما هو من تقشر وتآكل للطبقات والركائز والمساندات الحديدية، نتيجة الرمال المتطايرة لو تم تركيبها في الصحاري، فالموضوع يحتاج لجهد كبير وتقييم متواصل وتحليل منطقي مبني على معلومات وأبحاث كما أشرنا في البداية في منهجية ''TRIZ''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي