الحوار الوطني والمواقع الإلكترونية.. أيهما منحنا حرية التعبير؟!
لم نعرف البرامج المباشرة في القنوات السعودية إلا عقب انطلاق مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ولم نلحظ سقف حرية التعبير يرتفع إلا عندما أوجد مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مناخا ملائما للتعبير المسؤول. فلم يعد هناك تحفظ من رئيس تحرير أو مدير قناة فضائية على إبراز مزايا وعيوب أي قطاع حكومي أو أهلي.
وحين كانت للصحافة الإلكترونية جولتها كان لها نصيب في دفع الصحافة الورقية إلى فتح نوافذ النقد والتعبير عن المواقف والآراء، وتدفقت المقالات وتبادل النقاد الدور في تقييم واقع المجتمع في شتى مجالاته.
ويتساءل بعضهم عن الدور الذي لعبه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في تقريب وجهات النظر بين التيارات والمذاهب في المملكة، وما حققته لقاءاته المتعددة من جمع بين »خصوم» هم أشقاء في كل شيء إلا التوافق أو التواصل أو الحوار، حيث كان للمركز الجهد والفضل في جمع هذه القوى الوطنية المتنوعة لتأتلف حول هم مشترك اتضح في ثنايا هذه اللقاءات.
إن الشحن النفسي والنفور المصطنع كان من بين الأسباب التي أدت إلى عدم تلاقي هذه الأطياف الفكرية، وبالتالي كان لكل تيار دوره في تغييب »الآخر»، ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع تلك المسؤولية الوطنية التي انضوى تحتها جميع المشاركين والمشاركات في اللقاءات الوطنية، حينما أدرك الجميع أن همّ الوطن يعلو على جميع الهموم، وأن هذا الهم الوطني ليس وقفا على تيار دون آخر، فكان الوطن هو الحصن الدافئ الذي احتوى جميع أبنائه في حوار مسؤول منضبط بضوابط المصلحة الوطنية العليا، وإعلاء قيم الانتماء والوحدة والمشاركة الوطنية المخلصة.
لقد أصبح من الإنصاف الإقرار بأن حرية التعبير التي تشهدها منابرنا الثقافية والفكرية والإعلامية كان منطلقها: «الحوار الوطني»، وكما ذكر وزير الثقافة والإعلام الأسبق الأستاذ إياد بن أمين مدني في إحدى المناسبات: «لقد تعلمنا حرية التعبير من الحوار الوطني».
ولعل ما جاء بعد «الحوار الوطني» من اجتهادات هي آراء وأفكار داعمة لهذا المشروع الوطني المهم الذي يسعى للوصول إلى كل مسجد وبيت ومدرسة، وإلى كل شرائح المجتمع السعودي، وما تقدمه الصحافة الإلكترونية من بعض مظاهر حرية التعبير هو في الواقع حرية تفتقر إلى الموضوعية والالتزام بقيم الحوار وأمانة الكلمة، وإلا فإن حضورها المتوهج لن يدوم؛ لأن المتابع للصحافة في مجاليها: الورقي والإلكتروني أصبح أكثر وعيا من ذي قبل، وقارئ اليوم لم يعد ينجذب إلى الحوارات العقيمة والإثارة غير الموضوعية، فهي أمور تكشفت للقارئ الذي بات يدرك الخصومات والصراعات التي تدور وتدار بين هذه الوسائل على حساب الحقيقة، سعيا للظفر بأكبر عدد من القراء، بينما عرف القارئ الفطن كيفية البحث عن المعلومة الصحيحة، وبالتالي الوصول إلى لمعة الحقيقة وإشراقاتها المتوهجة.