الطاقة في مواجهة غرق المدن الساحلية (1)
لم يخطر ببالي يوما ما أن تصبح مدينتا الدمام والخبر وغيرهما في الخليج العربي مدنا ساحرة كتلك المدينة الإيطالية التاريخية فينيسيا أو ما يسميها العرب مدينة البندقية، في ظل الأنباء المتباينة والمفنِّدة لخبر غرقهما كما أوضح «الدكتور سمير غازي وكيل الرئيس لشؤون البيئة في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، أن المزاعم التي تشير إلى غرق مدينتي الدمام والخبر بعد 50 عاما نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض، والتي ستعمل على ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، ما يسبب رفع منسوب البحر غير مبنية على وقائع ملموسة, المنشور في صحيفة «الاقتصادية» يوم الأربعاء الخامس من أيار (مايو) 2010 العدد 6050، وأيده الخبير الجيولوجي حمد آل هتيلة في توضيحه في «الشرق الأوسط» في اليوم نفسه أن المدينتين ترتفعان عن سطح البحر بمقدار 4 إلى 5 أمتار معربا عن وصول الارتفاع إلى نصف متر لو صدقت التنبؤات، كردة فعل تضمينية على ما أعلنه رئيس المجلس العالمي للطاقة الشمسية البروفيسور علي صائغ في ورشة عمل في جامعة الملك فهد لتوقعه غمر المدينتين ومدن أخرى في العالم بعد 50 عاماً بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض، ودعوته إلى الإسراع في استخدام الطاقة الذرية والمتجددة كبديل للطاقة من النفط ومشتقاته، من أجل الحفاظ على البيئة والحد من التغيرات المناخية المصاحبة. فبالرغم من أن موضوع المياه بعيد عن اتجاهاتي ومدارك معلوماتي، إلا أن كَََََوْن التصريحات مرتبطة بالطاقة البديلة واستهلاكها المؤثر في الاحتباس الحراري والمناخ والبيئة، التي تدور رحاها وتلتهب إحداثياتها المقرونة بالمتغيرات المتسارعة والمخيفة في السنوات الأخيرة داخل أروقة الندوات والمؤتمرات والمحافل والمنظمات الدولية، فهو أمر مثير وشيق في ذات الوقت يدغدغ مشاعر الجميع، ويطرق أبواب الشك لدَيَّ من قبيل البحث عن الحقيقة التي يُفتتن بغيرها عادة الحمل الوديع، لعلي استقر على ساحل الحكمة التي ينشدها المدقق البديع، وأرمم ما يمكن ترميمه من طنطنة تئن منها أذني وتجرح طبلتي وأفقد بعدها سمعي الرفيع.
الأخبار الواردة تلك كأنها ترانيم متداخلة تزعزع العقل والتفكير بالتشويش عندما تُسْتَقَى من متخصصين، يزعم أحدهما ويفند آخرون ضمنا ما يقوله الأول، مما سحب تفكيرنا معهم هبوطا ونزولا، وأحدثوا صخبا إعلاميا في الشارع الاجتماعي على أقل التقدير، الذي أصبح هذه الأيام من الوعي بمكان لا يقبل التصريحات غير المدعومة بالمعلومات والشواهد العلمية، والتي إن وُجِدت فستُحدِث وَقْعا ابتدائيا على الذهن في منطق الفهم والاعتقاد والتصديق. فمن دواعي حرصي على رونق ودقة المعلومة والتحقق منها قبل أن تخرج من قبل المختصين، فإنني ـ احتراما للجميع ـ لا يساورني أدنى شك في نياتهم الطيبة المرتبطة بالاهتمام والحذر والتحذير مما يُتوقَّع أن يؤول إليه الكون من مآس على مدى العقود المقبلة، إن لم تتخذ الحكومات والأفراد حلولا احترازية للحؤول دون استمرار الانهيارات الطبيعية التي يُعتقد أنهم أحد مسبباتها، بغض النظر عن الاعتقاد الآخر المرتبط بطبيعة العصور المتغيرة ومنها الجليدية التي تمر عبر الزمن على الكون.
اسمحوا لي أن أُدخِل نفسي في الموضوع من أجل التعليق والاستفسار والاستبصار ممن لديهم القدرة المنطقية المدعومة بالإقناع لتبديد الشك والتشويش الذي انتابنا، وأشير إلى خبر مهم خرج من جامعة ليدز البريطانية في نهاية نيسان (أبريل) هذا العام 2010، مضمونه الذي أعلن عنه البروفيسور أندرو شيفيرد Prof. Andrew Shepherd المستخدم للأقمار الصناعية والحاسب الآلي لدراسة العمليات الفيزيائية لمناخ الأرض، أن ذوبان الكتل الجليدية الطافية في القطبين الشمالي والجنوبي حاليا Icebergs تُحدث ارتفاعا لمنسوب المياه في المحيطات كل عام بما يقارب سمك شعرة رأس الإنسان مقداره 49 ميكروميتر، وذلك منشور في رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية، أي من خلال الحسابات البسيطة؛ سيصل الوضع تقريبا مع التغيرات غير الثابتة ودخول الوضع إلى الأسوأ إلى أقل من سنتميتر أو حتى يساويه (±) في 50 عاما، السؤال الذي يُطرح هنا؛ ما مدى تقارب وتوافق المعلومات المعلنة محليا مع ما يتم نشره عالميا بما يخص غرق المدن، مع الدهشة في ما نلاحظه من انحسار للمياه في سواحلنا ومما يبدد الشكوك بالعدم من ناحية، ويؤججها تناقضا من ناحية أخرى في توقع وقوع الحدث ولو بوتيرة أقل حِدَّة؟
فلو جدلا ـ أن التقرير بالغرق جانبه الصواب بنسبة عالية نتيجة تزايد مقدار الارتفاع افتراضا من عام إلى عام مع ازدياد الوضع سوءا وهو ما يُخاف منه، ولأن بعض الحسابات التقديرية تشير إلى أن ارتفاع مياه البحار والمحيطات مجتمعة سيصل إلى 230 قدما لو ذاب الجليد بأكمله من على القطبين، فالوضع برمته سيكون خطيرا ويحتاج لتفكير عميق، وقد بدأ بالفعل عالميا دق جرس الإنذار باتخاذ التدابير العملية وليس الكلام الرنان الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، مع عدم التراجع والإحباط في فعل المستحيل لمواصلة المناداة بالتغيير بالرغم من المحاولات البيئية، التي تقوم بها الدول حاليا والمؤتمرات لاستصدار قرارات ملزمة التطبيق نحو الحد من إطلاق ثاني أكسيد الكربون، التي للأسف لم تنجح في الخروج بتوافق قوي في التقيد والتبني، وتنتهي في المقابل بالاعتراضات وتبادل الاتهامات كما حدث العام المنصرم في مؤتمر كوبنهاجن للمناخ وقبله في مؤتمر الغذاء، وهو ما تحدثت عنه الوثيقة التي أبرمها 255 عالما ومنهم 11 حائزا على جائزة نوبل تاريخ 6 أيار (مايو) 2010 في توثيق نزاهة علماء المناخ والاحتباس الحراري والتنديد ضد تعرضهم لصدى عصر تهديدات جون ماكارثي لمناهضة الشيوعية في الخمسينيات في أمريكا.
الخوض في مواضيع المناخ والاحتباس الحراري وتأثيرها على البيئة الحياتية السليمة، ونحن قريبون من يوم البيئة العالمي في الخامس من حزيران (يونيو) 2010، هو أمر مهم يدعوا لتحرك مستمر ومتواصل عملي عالمي مشترك لا يستثني أحدا أكان دولة أم فردا، في كيفية الاستثمار الأمثل لهذه الأيام السنوية وما شابهها من أيام بيئية للتوعية والإرشاد والتوجيه، كي يسهم الجميع في تحييد الانفلات الشره في استهلاك الطاقة والعبث ببيئة الأرض والتعدي عليها، من أجل الوصول إلى ثقافة بيئية ناضجة تلمس جميع القضايا؛ الكبيرة منها المتعلقة بالقرارات الدولية، والصغيرة المرتبطة بالأفراد والأسر في مغزى نحو تبيان مدى تأثير تجميع مخرجات العمليات الصغيرة على البيئة وعدم التقليل من أهميتها.