قمة كندا .. أوروبية بامتياز مع نتائج محدودة

تستضيف مدينة تورنتو الكندية خلال يومي 26 و27 حزيران (يونيو) قادة دول مجموعة العشرين وسيسبق اجتماع هذه القمة اجتماع آخر في يوم 24 حزيران (يونيو) في إحدى ضواحي تورنتو لقادة مجموعة الثماني. وتشير التوقعات إلى أن مشاكل الديون السيادية الأوروبية ستلقي بظلالها على هذا الاجتماع، كما أن المراقبين لا يتوقعون الكثير من هذه القمة. لكن في البداية كلمة تطمين فالتقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي تشير إلى أن النمو المتوقع للاقتصاد العالمي سيكون بمعدل 4.25 في المائة لهذا العام مع نسبة مماثلة للعام المقبل (2011)، كما تشير آخر التقديرات إلى أن التجارة الدولية قد نمت في آذار (مارس) وحده من هذا العام بمعدل شهر بلغت نسبته 3.5 في المائة.
هناك رأي بدأ يتبلور خصوصاً في آسيا وأمريكا اللاتينية أن هذه الأزمة هي في الأساس أزمة غربية أو أوروبية أو أمريكية, وأن الغرب يحاول إجبار بقية العالم لتتحمل نتائجها . فقد بدأت بالرهن العقاري في الولايات المتحدة وتلى ذلك تفجير أزمة الديون السيادية في أوروبا. وأزمة الرهن العقاري تم التعايش مها إلى حد كبير أما أزمة الديون الأوروبية فهي مازالت تتفاعل. وتقدر الديون السيادية الأوروبية للدول الخمس الرئيسية (اليونان، إيطاليا، البرتغال، إسبانيا، إيرلندا) في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2009 (3.889 تريليون يورو)، ربعها تقريباً (929 مليار يورو) للبنوك الفرنسية، وخمساها تقريباً (687 يورو) للبنوك الألمانية. وتشير التقديرات الأخيرة للبنك المركزي الأوروبي إلى أن البنوك التجارية في منطقة اليورو قد تضطر إلى اقتطاع احتياطات للديون المشكوك في تحصيلها في حدود 195 مليار يورو في 2010/2011 منها تسعة مليارات يورو لما تبقى من هذا العام و105 مليارات يورو لعام 2011. علماً بأنه قد سبق لهذه البنوك أن اقتطعت مخصصات مماثلة بلغت 238 مليار يورو خلال الفترة 2007/2009. وخلاصة القول إن أوروبا تعاني حالياً من مشكلتين هما تراكم الديون السيادية وضعف القطاع البنكي مما أثر وسيؤثر في معدلات نموها الاقتصادي. فقد أظهرت التقديرات الأخيرة للمفوضية الأوروبية أن معدلات النمو المتوقعة لدول الاتحاد الأوروبي الـ 27 هي في حدود 1.3 في المائة سنوياً لهذا العام (2010) عوضاً عن تقديراتها السابقة والبالغة 1.8 في المائة سنوياً، أما في عام 2011 فقد خفضت المفوضية تقديراتها من 2.9 في المائة إلى 2.5 في المائة سنوياً وهناك اعتقاد قوي بأن عدداً من الدول الأوروبية المدينة وعلى رأسها اليونان ثم البرتغال ثم إسبانيا ثم إيرلندا ثم إيطاليا وأخيراً بريطانيا التي ليست من منطقة اليورو قد تعجز عن سداد ديونها خلال الـ 12 شهر المقبلة.
قبل استعراض أهم بنود جدول أعمال القمة يستحسن الإشارة إلى بعض القضايا التي ترى بعض الدول ضرورة إعطائها أهمية خاصة:
1- يؤكد الصينيون أن النقاشات يجب أن تنصب على تصحيح الاختلالات الحاصلة نتيجة للديون السيادية الأوروبية، كما أنهم سيقاومون أية ضغوط عليهم ترفع سعر صرف العملة الصينية "الرنمنبي" تجاه الدولار بل إن الجريدة الرسمية الصينية قد دعت إلى تخفيض سعر صرف العملة الصينية تجاه الدولار وليس رفعه، إلا أن القرار الصيني الأخير القاضي بتخفيض ربط سعر صرف العملة الصينية بالدولار يوحي بأن الصين تحاول إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال قمة العشرين.
2- ذكرت الأنباء أن كلا من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية بعثا برسالة إلى رئيس الوزراء الكندي يدعوان فيها إلى الإسراع في إصلاح النظام المالي.
3- كما ذكرت الأنباء أن الرئيس الأمريكي وجه رسالة إلى جميع رؤساء مجموعة العشرين يدعوهم فيها إلى تأكيد التزامهم بوحدة الهدف تجاه السياسات النقدية والمالية.
وفي هذا الصدد فإن اهتمامه منصب بشكل خاص على تحقيق معدلات مقبولة من النمو الاقتصادي. وبهذا بطبيعة الحال سوف يضع الولايات المتحدة وجهاً لوجه مع أوروبا، كما سنرى لاحقاً.
4- أما في كندا نفسها فإن هناك توجها لطرح موضوع التغيير المناخي أمام القمة وذلك بهدف جلب الانتباه إلى هذا الموضوع المهم استعداداً لقمة التغيير المناخي المقرر عقدها في المكسيك في الخريف المقبل.
أما أهم المواضيع التي ستتناولها قمة العشرين فهي:
أ - الاختيار بين الاستمرار في برامج التحفيز المالية و النقدية أو تخفيض العجوزات في الميزانية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بفعل برامج التحفيز.
من جهة أخرى هناك الولايات المتحدة وإلى حد ما صندوق النقد الدولي الذي يشغل منصب نائب الرئيس فيه مسؤول سابق في الخزانة الأمريكية الذين يخشون من أن إيقاف الحوافز قبل الوقت المناسب قد يؤدي إلى عودة الانحسار الاقتصاديdouble dip .
وهذا الموضوع أكد عليه الرئيس الأمريكي في الرسالة الموجهة لقادة مجموعة العشرين التي سبقت الإشارة إليها، ومن جهة أخرى هناك الدول الأوروبية واليابان والبنك الدولي الذي أشار في تقريره الأخير حول التوقعات الاقتصادية لعام 2010 إلى أن الخطر الأكبر المتمثل في عودة الانحسار الاقتصادي double dip يكمن في توصل المستثمرين إلى قناعة بأن الدول غير جادة في تخفيض العجز في الموازنات كما ذهب البنك الدولي إلى القول إن تحسين وضع الموازنات عن طريق تخفيض العجز سيؤدي إلى تخفيض سعر الفائدة على المدى الطويل ومن ثم تحسن مناخ الاستثمار في الدول النامية و المتقدمة على حد سواء.
ونظرا للموقف المتشدد للرئيس الأمريكي حول هذا الموضوع من جهة وأن السوق مازالت تتوقع حصول المزيد من التقدم حول إصلاح الأوضاع المالية في أوروبا من جهة أخرى فإن أقصى ما يمكن التوصل إليه في القمة هو تأبيد الخطوات التي اتخذتها كل من الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي والقاضية بتخصيص 50 مليار يورو أو ما يقارب تريليون دولار على هيئة ضمانات للدول الأوروبية المحتاجة.
أ - في القطاع البنكي هناك ثلاث قضايا رئيسية يتكرر طرحها في المؤتمرات السابقة:
1- فرض ضرائب على العمليات البنكية لتعويض الحكومات عن الخسائر التي تكبدتها جراء الأزمة ولإيجاد احتياطي يمكن اللجوء إليه عند حدوث أزمة مماثلة وهو ما يعرف بـTobin tax ويبدو أن تدهور وضع الديون السيادية دفع وزراء مالية مجموعة العشرين أثناء اجتماعها في الأسبوع الأول من هذا الشهر في كوريا إلى إهمال هذا الموضوع ويبدو أن القمة ستحذو حذو وزراء المالية وإهماله أيضا.
2- زيادة رؤوس أموال البنوك بنسب أعلى مما سبق إقرارها في إطار بازل (2) وهو 12 في المائة من القروض وتخفيض نسبة رأس المال على هيئة أرصدة سائلة وهو ما يعرف ببازل (3). وقد يحصل بعض التقدم في هذا الجانب مع العلم أن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا تعارض هذا الاقتراح.
3- إعادة النظر في أنظمة الإشراف والرقابة على البنوك بما في ذلك فصل الأنشطة التجارية للبنوك عن أنشطتها الاستثمارية ومنع البنوك من المتاجرة بأموال المودعين، وتحديد الجهة المسؤولة مباشرة عن الإشراف والرقابة على القطاع البنكي وهناك مشروع قيد المناقشات في الولايات المتحدة وآخر تحت الإعداد من قبل المفوضية الأوروبية.
وكما أنه حتى الآن ليس هناك مواقف وطنية متفقا عليها تجاه هذه المشاريع ضمن التوقع ألا يصدر عن القمة أي قرار له صفة تنفيذية حول هذا الموضوع.
ج- نظراً للأرقام الإيجابية جداً حول معدلات النمو الاقتصادي في الصين والتي يقدرها كبير اقتصاديي البنك الدولي بين 10 و11 في المائة لهذا العام (2010) فإن من المتوقع أن يطرح موضوع سعر صرف العملة الصينية مقابل الدولار نفسه على قادة الدول المجتمعين في تورنتو. علماً بأن وزير التجارة الأمريكي قد صرح في بداية هذا الشهر بأن وزارته تدرس جدياً إجراء تحقيق حول ما إذا كان "الرنمنبي" يخضع لتخفيض سعر صرفه بموجب السياسات الحكومية الصينية. إلا أن المسؤولين بدؤوا يتحدثون عن هذا النمو السريع الذي قد يؤدي إلى فقاعة عقارية وأن الصين قد تواجه انحساراً اقتصادياً في القريب العاجل double dip.
كما أن التوجه الصيني الأخير نحو تخفيف العلاقة بين الدولار والعملة الصينية كما سبقت الإشارة إليه سيخفف من الضغوط على الصين لترفع سعر صرف عملتها مقابل الدولار.
الخلاصة أن القمة قد لا تخرج بجديد حول إصلاح الأوضاع المالية في الدول الأوروبية كما أن أزمة الديون السيادية ستؤخر إصلاح النظام البنكي، وستقاوم الصين أية ضغوط لرفع سعر صرف عملتها تجاه الدولار. كما أن إصلاح النظام النقدي الدولي غير مطروح للنقاش أصلاً. لذا فإن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - قد أحسن صنعاً بجعل مشاركته في قمة العشرين جزءا من رحلة عمل يقوم من خلالها بزيارة عدد من الدول الشقيقة والصديقة لتعزيز مكانة المملكة إقليمياً ودولياً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي