صناعة التمويل الإسلامي وأهمية الجوانب القانونية والتشريعية

لا شك أن هناك عدداً من الجوانب القانونية والتشريعية تستدعي الحاجة تحسينها على مستوى العالم لضمان نمو الصناعة المصرفية الإسلامية بما يتماشى مع الشروط والضوابط الشرعية، وينبغي على الجميع تحديد الإطار القانوني الذي يحكم هذه الصناعة ووضع الصياغة المناسبة لإثبات بنود التعاقد والاتفاقيات بما يتماشى مع الشروط والضوابط الشرعية وتوحيد صياغة العقود، حيث إن من شروط سلامة العقد أن يكون واضحاً ومفصلاً قدر الإمكان للعلاقة التعاقدية بين أطراف العقد وما يترتب عليها من حقوق والتزامات، لأن هناك ضرورة تقتضي تحسين الأنظمة الخاصة بمعاملات التمويل التجاري الإسلامي بخصوص الجوانب القانونية والتشريعية لمواصلة تطوير البنية التحتية للمصارف الإسلامية، إضافة إلى الأنظمة الإدارية وكذلك العمل على توحيد المعايير في قطاع التمويل الإسلامي بما يساعد على تعزيز نموه ودمجه مع الاقتصاد العالمي.

إن المصرفية الإسلامية تحتاج إلى تطوير نظام الرقابة والإشراف بأدوات تتناسب مع طبيعة أعمالها؛ على سبيل المثال العقد وهو شريعة المتعاقدين وإيجاد الطريقة المناسبة لصياغة العقود بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية والأنظمة السائدة، وذلك لحماية صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وهذا يستلزم وجود قاعدة قانونية كما يتطلب إلماماً بالأحكام الشرعية ذات العلاقة، مع ضرورة اندماج المؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم مع الإطار القانوني والتنظيمي. ويجب على المؤسسات المالية الإسلامية أن تخضع إلى المستوى التنظيمي والامتثال للمعايير الدولية مثل المخاطر وكفاية رأس المال التي وضعتها اتفاقية بازل، وأيضا الامتثال للمبادئ التوجيهية والتطبيقات التي حددتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية على اعتبار أن صناعة التمويل الإسلامي هي جزء لا يتجزأ من النظام المالي العالمي. إن التمويل الإسلامي بدأ يندمج مع النظام القانوني والمالي العالمي السائد، وينبغي علينا مواصلة تطوير البنية التحتية للأسواق، إضافة إلى الأطر التنظيمية والقانونية والإدارية، وكذلك العمل على توحيد المعايير في قطاع (التمويل الإسلامي) بما يساعد على تعزيز نموه مع الاقتصاد العالمي، فإن التحولات المقبلة في الأسواق العالمية من المنتظر أن تفتح فرصاً وآفاقاً أوسع أمام المصارف الإسلامية، لعل أبرزها تطبيق اتفاقات التجارة الدولية، وهو ما يعني مزيداً من المنافسة في الأسواق، وبالتالي يعتبر تطوير مستوى التنافسية للمؤسسات المالية الإسلامية التي هي من أهم أولوياتها حتى تستطيع التوسع وزيادة حصتها السوقية من الخدمات المصرفية والمالية، حيث إن اتفاقات التجارة الدولية ستعمل على رفع درجة المنافسة في الأسواق الحالية للمؤسسات المالية الإسلامية، وستفتح فرصاً جديدة أمام هذه المؤسسات من حيث تسهيل دخولها إلى أسواق جديدة، لذا فإن المؤسسات المالية الإسلامية بحاجة إلى التوافق مع المتطلبات الفنية والرقابية في هذه الأسواق، خصوصاً المتعلقة بمعايير المحاسبة الدولية وتعزيز الشفافية والمصداقية والإفصاح الكافي لديها، كذلك إعداد معايير محاسبية تساعد على تعزيز قارئيها للقوائم المالية من أجل رفع فاعلية عمل السوق لمراقبة سرعة وضخامة الأموال المتدفقة بين الدول الإسلامية والأسواق العالمية، ليشعر المستثمرون بالشفافية ووضوح الرؤية، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاستثمارية والاقتصادية.

لقد حققت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بداية طيبة بوضع مجموعة من معايير المحاسبة والمراجعة وضوابط إدارية للمؤسسات المالية الإسلامية بالتعاون مع أطراف أخرى في كل بلاد العالم الإسلامي، وتتعاون الهيئة مع البنوك المركزية وهيئات المعايير العالمية للاعتراف بهذه المعايير، كما تجري الهيئة مناقشات مع لجنة المعايير المحاسبية الدولية لتحقيق التكامل بين الهيئتين لوضع معايير محاسبية تطبقها المؤسسات الإسلامية، وحوارات مع المشرفين على المصارف حول العالم لإقناعهم بضرورة تبني معايير الهيئة لتحسين الشفافية في بيانات المصارف الإسلامية.

كما يجب على المصارف الإسلامية الالتزام بالإفصاح والشفافية حتى تنخفض ــ بإذن الله ــ درجة المخاطر ويقل تعثرها، وذلك للاطمئنان على سلامة المصرفية الإسلامية وتوفير الحماية لموجودات وحقوق عملاء المصارف الإسلامية وتشجيع الالتزام بقرارات معايير بازل II&I بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية في جميع المعاملات المصرفية، فمن الصعب على المساهمين وعملاء المصارف أن يراقبوا بشكل صحيح وفاعل أداء إدارة المصرف الإسلامي في ظل نقص الإفصاح والشفافية، وتبقى الشفافية والثقة عاملا أساسيا ومؤثرا ويجب أن تستفيد المصارف الإسلامية من تجارب من سبقوها.

وكما هو معلوم فإن المصارف الإسلامية تقوم بإبرام عقودها ومعاملاتها وفق شروط وضوابط شرعية، وهي تسعى جاهدة إلى الوفاء بهذه الضوابط في تلك المعاملات؛ لذا يجب العمل على وضوح العقود والأحكام القانونية بمعظم اتفاقيات التمويل الإسلامي، وضبط الصياغة القانونية السليمة لهذه العقود خاصة للمسائل الشرعية التي تنظم عمل المنتجات التجارية الإسلامية، وذلك للابتعاد عن أي لبس أو غموض ينتج عن علاقة التعاقد ويمكن أن يعرض الأطراف المتعاقدة لمخاطر قانونية ناتجة عن البيئات التشريعية التي تعمل فيها هذه الصناعة وعدم ملاءمة بعض أحكامها لطبيعة نشاط المصارف الإسلامية. كما يجب على المصارف الإسلامية أن تسعى إلى أن تكون لها معايير ومؤشرات معترف بها دوليا حتى يكون لها نشاطات وفعاليات متوافقة مع مؤشرات الأسواق المالية العالمية ويستطيع كل من يتعامل في الأسواق المالية التعامل معها وفق معايير دولية مثل معايير (بازل I وبازل II) للبنوك العالمية، وهذا يتطلب بذل جهود مشتركة من جميع فقهاء وعلماء المسلمين واقتصاديين وبيوت المال والاستثمار وأصحاب المصارف الإسلامية لمراجعة ما تقوم عليه المصرفية الإسلامية من أنظمة وعقود، وما تعتمد عليه من آليات وأساليب مالية من خلال الدراسات والأبحاث الفقهية والاقتصادية وتوسيع نشاطاتها ومنتجاتها، وأن يتم إيجاد أنظمة تشريعية وجوانب قانونية تربطها مع الأسواق المالية العالمية، والأخذ بمبدأ الإفصاح والشفافية عن جميع الشركات المالية الإسلامية العاملة في ظل أحكام الشريعة الإسلامية السمحة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي