يا خليجيون: الله لا يغيّر عليكم!!
صديق من الطبقة الأرستقراطية، بعد جهد وزحمة العمل والتعب في (خدمة المال)، قرّر السفر، وبضغط من العائلة، إلى لندن وباريس. كانت رغبته زيارة مناطق سياحية هادئة للتخلص من ضغط العمل، لكن النساء فضلن التسوق على كل شيء. فبعد التسوق اليومي وصرف ألوف الجنيهات، حمد الله على رجوعه إلى بيته وعمله، لأن رحلة الاستجمام انقلبت إلى رحلة تسوق لم يجد فيها الاسترخاء الذي كان يحلم به. الأدهى من ذلك والأمر، أن غالبية البضائع التي جاءوا بها شاهدوا أمثالها وأحسن منها في أسواق الرياض وبأسعار أكثر تنافسية.
هذه قصة أردت أن أذكرها لما شوهد في الصيف الماضي القريب من تحول لندن العاصمة الإنجليزية إلى محافظة خليجية تشاهد فيها البذخ والصرف غير المحدود، واللعب في الأموال بطريقة تثير الاشمئزاز، وتبعث الأحقاد، وتفقد احترام الآخر.
لا نقول لا تسافروا خارج بلدانكم، لكن لا بد من حسن التمثيل، فكل مواطن يعكس بتصرفاته صورة عن بلده، فالصورة الموجودة في غالبية الدول الأوروبية عن دول الخليج أنهم شعوب استهلاكية متخلفة ومبذرة لا تعرف قيمة المال، بل يذكرنا باعتقاد الأمريكان في السبعينيات الميلادية بأن كل خليجي يملك بئر بترول.
فئة محدودة ـــ حباها الله ـــ من المال والوقت (والتفاخر المذموم) في البذخ والصرف غير المحدود وغير المسؤول، نقلت تلك التصرفات غير الحضارية إلى دول عُرفت بالانضباط وبحسن التصرف وحب النظام. فمن إحدى تلك اللقطات الموجعة والسيئة التي يقوم بها الشباب الخليجي: ركوب سيارات فارهة مكشوفة تُرفع فيها الأغاني العربية بصوت عال ومزعج جدا.. وهم يرقصون ويغنون إلى منتصف الليل في مجتمع عُرف عنه الدقة والنظام والهدوء والاستيقاظ المبكر.
هذه التصرفات ستزيد الضغائن لدى أبناء البلد المضيف، بل العالم كله، خاصة الفقير منه.. في ظل العولمة الإعلامية التي تنقل مثل هذه الممارسات. كما أنها تشويه لسمعة الدول الخليجية، فهي والله نوع من الشتم والسب يقوم به أبناء الخليج ضد بلدانهم ومجتمعاتهم من حيث لا يعلمون. السؤال المهم هو: أين دور الحكومات والسفارات الخليجية من تلك المظاهر السيئة؟ هل يصبح الفرد الذي يسيء لبلده بهذه الطريقة خارج المساءلة لمجرد أنه خرج من بلده؟
المشكلة أن الخليجيين يمشون في تلك الشوارع ويمارسون ذلك السفه وهم يقولون "الله لا يغير علينا"! فهل يعي العقلاء منهم، أن ما يسهم في تبديل النعم هو عدم شكرها وعدم الأخذ على أيدي السفهاء الذين يعبثون بالأموال؟ فما الحل لتلك المظاهر المخجلة؟ وإلى متى نبقى شعوبا استهلاكية؟ فالسائح الياياني قد يكون أكثر ثراءً من الخليجي، لكن لا تجده يتسكع في شوارع لندن، بل تجده يصور المناظر التاريخية ومعالم المدن التي يزورها!! ولا تسمع له صوتا.
لكن أود أن نذكر هؤلاء وأولئك أن الدنيا دوارة ونحن محاسبون جدا في أموالنا التي عندنا، فهي في واقع الأمر أمانات. فعلى مستوى الأكل والشرب نهى ديننا الحنيف عن التبذير، فما بالكم في كماليات قد لا تستخدم!!
والشيء بالشيء يذكر. من يصدق أن الأرجنتين في القرن الـ 19 كانت تنافس أمريكا في الاقتصاد؟! لقد ذكر الكاتب الإنجليزي ألن بيتي في كتابه "الاقتصاد الكاذب"، أن الاقتصاد الأرجنتيني كان مشابها (بقوته) إلى حد كبير للاقتصاد الأمريكي. لقد كانت كلا الدولتين تقومان على اقتصاد زراعي وتراكم ثروة هائلة. لكن مع مرور الوقت استعمل الأمريكيون فائض ثروتهم الزراعية الهائلة لبناء اقتصاد صناعي جبار، من خلال استنساخ التجربة الأوروبية في مجال الصناعة. أما النخبة الثرية في الأرجنتين فقد استعملت فوائض ثروتها الزراعية الكبيرة في استيراد البضائع الكمالية وفي أشكال طاغية من البذخ والرفاهية والسفر والتنزه والإنفاق في مدن أوروبا.
نتيجة تلك التصرفات السفيهة والسلوك الاستهلاكي غير المسؤول للنخبة البرجوازية الأرجنتينية، وصلت الأرجنتين إلى وضع اقتصادي مزر انتهى بإعلان إفلاسها منذ عشر سنوات، وهبوطها من عاشر اقتصاد في العالم في الخمسينيات من القرن الماضي، إلى حال البؤس والأزمة الاقتصادية التي تعيشها الآن، كدولة من العالم الثالث، باقتصاد هش يكافح ويتعثّر في نموه، ولم يبقَ لديها ما يجعلها في واجهة الأحداث إلا فريق كرة قدم ورث ذلك التعثر الذي يعانيه الاقتصاد.
الرسالة المؤلمة أن هناك تشابها قويا جدا بين تصرفات الأغنياء في الأرجنتين وبين السفهاء من أثرياء الخليج، والأدهى من ذلك والأمر، أن هنالك نفورا وتنميطا مشوها من قبل الغربيين تجاه عموم المواطن العربي، والخليجي تحديدا، بسبب السلوكيات المتخلفة لهؤلاء السفهاء، فضلا عن مثل هذا النمط من السلوك، قد يجعلنا اقتصاديا، في حال أسوء مما آلت إليه الأرجنتين. ولكن أكثر ما أقول، عسى الله يغير تصرفاتنا إلى الأحسن قبل أن تحل بنا السنة الإلهية، فيغير الله علينا.