ألم يحن بعد موعد تنظيف العالم من الأسلحة النووية؟

في المراحل الأخيرة للحرب العالمية الثانية عام 1945، نفذت الولايات المتحدة هجومين ضد مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان.
وقد تعودنا في وسائل الإعلام أن نمر مرور الكرام على هاتين الكارثتين وما أجدرنا أن نتوقف ونتأمل البشاعة التي نجحت آلة الإعلام الأمريكية في محوها من ذاكرة الناس، لصالح الترويج لأعمال ضئيلة يقوم بها بعض أعداء للولايات المتحدة.
ولإنعاش ذاكرة قارئنا العزيز نشير إلى ذلك القتال الشرس الذي دار بين اليابان وأمريكا منذ بيرل هاربر وميدواي ومعارك المحيط الهادئ والفلبين والهند الصينية.. وفي الأشهر الستة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، قصفت الولايات المتحدة 67 مدينة، وتجاهلت الحكومة اليابانية الإنذار النهائي الذي تقدمت به مجموعة بوتسدام الذي طالب اليابان بالاستسلام. وبأمر مباشر من الرئيس هاري ترومان (صانع الدولة الصهيونية) أسقطت الولايات المتحدة القنبلة الذرية الأولى واسمها الولد الصغيرLittle Boy على مدينة هيروشيما يوم الإثنين الموافق السادس من آب (أغسطس) عام 1945 وبعدها بثلاثة أيام أي في التاسع من آب (أغسطس) فجرت القنبلة الثانية على ناجازاكي واسمها الولد البدين Fat Boy.
كانت هيروشيما مدينة في غاية الأهمية من الناحية العسكرية، إذ كان يوجد فيها مقر قيادة الجيش الثاني الياباني، فضلا عن أنها كانت مدينة اتصالات محورية ومخزنا للمواد الاستراتيجية.
وفي خلال فترة من شهرين إلى أربعة أشهر تسبب الانفجار في قتل عدد يراوح بين 90 ألفا و166 ألفا في هيروشيما وعدد يراوح بين 60 ألفا و80 ألفا في ناجازاكي. وقد مات نصف الضحايا في اليوم الأول للانفجار، وتقدر مصادر وزارة الصحة في هيروشيما أنه من بين من مات في اليوم الأول، فإن 60 في المائة ماتوا من الاحتراق المباشر أو الوميض الذري و10 في المائة من أسباب أخرى. وفي غضون الشهور التالية ماتت أعداد كبيرة بسبب الحروق وأمراض الإشعاعات وغيرها من الإصابات، وفاقم الحالة انتشار الأمراض والشلل التام في وسائل التصدي للكارثة أو تدبير العلاج.
وفي تقدير آخر حول أسباب الوفاة، أفاد تقرير بأنه من 15 إلى 20 في المائة من الضحايا ماتوا بالإشعاع و20 إلى 30 في المائة من الحرق و50 إلى 60 في المائة من إصابات أخرى. والأهم من ذلك أن الغالبية العظمى من القتلى كانوا من المدنيين والنساء والأطفال والكهول، وهو ما لا تذكره أبدا مصادر وسائل الإعلام الأمريكية بدقتها المزعومة.
ويرى كثير من متابعي الكوارث أن كارثتي هيروشيما وناجازاكي تضعان الولايات المتحدة في القمة من حيث العدوان على حياة البشر والإجرام المتعمد، والعجيب أننا من النادر أن نجد وقفات حادة أمام هذا الفعل البشع.
بعد ستة أيام من إسقاط القنبلة على ناجازاكي وفي 15 آب (أغسطس) عام 1945، أعلنت اليابان استسلامها للحلفاء ووقعت وثيقة الاستسلام على سفينة أمريكية في الثاني من أيلول (سبتمبر) وسط مظاهر الإذلال كافة التي تفنن فيها الجنرال الأمريكي ماك أرثر وبذلك انتهت الحرب في جبهة المحيط الهادئ. وكانت ألمانيا قد استسلمت في أيار (مايو) عام 1945 لتنتهي الحرب في أوروبا. وقد أدى قصف اليابان بالقنابل الذرية إلى إلزام اليابان ما بعد الحرب بعدم تملك أسلحة نووية.
وما زالت المناقشات المستمرة حول جدوى إسقاط قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، حيث يرى الكثيرون أن الحرب كانت قد انتهت فعلا بالأسلحة التقليدية، ولكن الولايات المتحدة والتي تخصصت في الإبادة الجماعية منذ إبادة شعب أمريكا الشمالية (الهنود الحمر) صممت على تنفيذ المذابح، بل إن التبرير الأخلاقي الذي ساقته الولايات المتحدة لم يجد قبولا حتى من بعض حلفاء واشنطن.
هذه هي القصة الوحيدة لارتكاب جريمة القصف النووي نتذكرها ونحن نحتفل يوم الأحد الماضي 29 آب (أغسطس) باليوم العالمي الأول لمناهضة التجارب النووية ودعم معاهدة الحظر التام لتلك التجارب.
وكانت جمهورية كازاخستان التي شهدت أراضيها أول تجربة لقنبلة نووية إبان الحقبة السوفياتية قد اقترحت احتفال الأمم المتحدة بهذا اليوم. وبعد تجارب كازاخستان، شهد العالم إجراء آلاف التجارب على الأسلحة النووية سواء تحت الأرض أو فوقها.
العجيب أن العالم يتصايح الآن معربا عن حزنه لدمار البيئة وقلقه من التطورات المتلاحقة في الدمار البيئي، وهو الذي لا يتوقف عن التدمير المنظم عبر التجارب النووية التي تخلخل الأرض وتقضي على الحياة. وعلى الرغم من وجود معاهدة حظر إجراء التجارب النووية وتصديق أكثر من 150 دولة عليها، إلا أن الولايات المتحدة لم توقع أو تصادق على المعاهدة وإنما تضغط على دول العالم أن توقع وأن تتوقف – ما عدا هي. وقد استجاب لها معظم الدول فيما عدا الصين والهند وباكستان (للتناحر بينها) وإيران وكوريا الشمالية وإسرائيل الربيبة المخلصة لواشنطن.
ويقول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إنه يضع قضية نزع السلاح النووي على رأس أولوياته، وبحلول عام 2012 يريد تفعيل المعاهدة الدولية لحظر التجارب النووية. ومن أجل ذلك دعا إلى قمة رفيعة المستوى حول نزع السلاح في مقر الأمم المتحدة الشهر الجاري.
وجاء أول صوت مستجيب من روسيا التي أعلنت التزامها بحظر التجارب النووية حال قيام الدول الأخرى بذلك. وطالب سفير روسيا في كازاخستان الدول بسرعة الالتزام بشروط معاهدة حظر التجارب النووية ودعا الدول التي لم توقع إلى الإسراع بالتوقيع. وشارك الأمين العام للأمم المتحدة السفير الروسي الرأي وضرورة العمل على تنفيذ المعاهدة عام 2012. ولعل أبرز ما أوضحه الأمين العام للأمم المتحدة هو حجم الإنفاق الذي – يجب كبحه – على البرامج النووية في عالم يسوده الفقر والمرض والمجاعة ويحتاج إلى جميع الموارد لإصلاح حال البشر.
وقد وقع على المعاهدة 182 دولة وصادق عليها 153، وهناك توجه محمود يتمثل في توعية الناس بمخاطر الأسلحة النووية لتكافحها قبل الشروع في بنائها، وبذلك تكون قد أسهمت إسهاما جادا في تطهير البيئة وبناء عالم خال من الأسلحة النووية بكل ما يعنيه ذلك من قلق وتوتر.
والجدير بالتفاؤل أن اقتراح كازاخستان بالاحتفال بيوم الخلاص من الأسلحة النووية لقي تأييدا ودعما بالإجماع من جميع دول العالم، ولعل المناخ يكون مواتيا لهذه الدعوة، خاصة وأن الولايات المتحدة تهدف إلى إيقاف إيران وكوريا الشمالية وغيرهما عن المضي قدما في برامجهم النووية.
والآن ومع الاحتفال بمرور 65 عاما على هاتين الجريمتين هل آن الأوان لتعلم الدرس والتوقف عن التوحش العدواني وشهوة القتل الجماعي من خلال التوقف الكامل عن التجارب؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي