مستقبل واعد للمصرفية الإسلامية في تركيا
تفوقت المصارف الإسلامية في تركيا على مثيلاتها من البنوك التقليدية وبدأت أول البنوك المشاركة في تركيا في عام 1983 وتلاه النشاط المصرفي الإسلامي بفتح اثنين من المصارف الإسلامية في عام 1985م حيث شهدت السنوات الماضية نموا في استثمارات المصارف الإسلامية في تركيا، التي تسمى باسم (بنوك المشاركة) وعددها قليل إلا أنها تنمو بسرعة مع النظام المصرفي التركي، وتسيطر المصارف الإسلامية على أصول تبلغ نحو 21.5 مليار دولار تمثل 7 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي التركي.
وتشير التقارير الاقتصادية إلى أنه من المتوقع أن يضاعف القطاع المصرفي الإسلامي التركي حجمه خلال السنوات العشر المقبلة، من خلال طرق متعددة منها الاكتتابات العامة وعمليات الاندماج والاستحواذ، حيث تعتبر قيمة أسهم بنوك المشاركة التركية جذابة، ومما يؤكد اهتمام تركيا بالمصارف الإسلامية الإقبال الشعبي عليها، حيث تعمل في السوق التركية حاليا خمسة مصارف إسلامية هي: البنك الكويتي التركي إلى جانب بنك بركة الذي يساهم فيه شركاء سعوديون، وبنك آسيا، وبنك تركيا فاينانس، وبنك دبي الإسلامي. وقد ازداد عدد فروع هذه المصارف بنسبة 6 في المئة ليصل عددها إلى 560 فرعا تنتشر في معظم أرجاء تركيا، ويعمل فيها أكثر من 12 ألف موظف، وقطاع المصارف الإسلامية في تركيا ينتظر مستقبلا واعدا من خلال القبول الواسع من مختلف الأسواق التركية والنمو الهائل المتزايد للمصرفية الإسلامية.
ويتوقع أن يزيد عدد الفروع في السنوات المقبلة كما أشار تقرير رابطة البنوك المشاركة، ووفقا لآخر تقرير صدر عن جمعية بنوك المشاركة التركية في نهاية عام 2009م حيث بلغت أصول هذه المصارف 22 مليار دولار أي بنسبة 3.4 في المئة من إجمالي أصول البنوك التركية، كما بلغت تمويلاتها 15 مليار دولار أي بنسبة 5.2 في المئة من إجمالي القروض البنكية، وبلغت ودائعها 16 مليار دولار أي بنسبة 4.2 في المئة من إجمالي الودائع البنكية، ومن المتوقع أن تتجاوز أصول بنوك المشاركة 25 مليار دولار في العام المقبل بحيث تشكل 10 في المئة من إجمالي الأصول البنكية التركية، كما أن أرباح هذه المصارف مجتمعة سجلت نموا بلغ 9 في المئة عام 2009 مقارنة بالعام السابق له وحقق أرباحا صافية تجاوزت 470 مليون دولار.
لقد أحرز القطاع المصرفي التركي تقدماً كبيرا في السنوات الأخيرة في مجال تطوير عمليات الوساطة المالية، وذلك عن طريق تشجيع النمو الاقتصادي للبلاد خلال عام 2003م وعام 2007م والتحسينات التي طرأت على الإطار التنظيمي والتشريعي. وقد كان من بين الأسباب الداعية لإدخال تعديلات تشريعية على القطاع المصرفي وجود الرغبة لدى الحكومة لإعطاء الفرصة لمؤسسات التمويل الخاص لجذب الأموال التي بقيت خارج النظام المصرفي التقليدي والسعي إلى تشكيل روابط اقتصادية نقدية مع الدول العربية والإسلامية وخاصة دول الخليج العربي المنتجة للنفط لجذب الاستثمارات منها، لتضع تركيا في مقدمة الداعين إلى العمل بالخدمات المصرفية الإسلامية.
لقد أثبت رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب أردوغان قدرة فائقة على محاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد التركي، وأصبحت تركيا سوقاً قوية، ومن المنتظر أن تحتل تركيا مركزا مميزا في القطاع المالي الإسلامي في عام 2010م، ويسعى حزب العدالة والتنمية إلى جعل إسطنبول مركزا من مراكز صناعة الصيرفة الإسلامية، حيث يشهد الاقتصاد التركي نموا متزيدا بسبب الاستقرار السياسي والإصلاحات التي تجريها حكومة العدالة والتنمية، فقد سجل الاقتصاد التركي نموا بنسبة 11.7 في المئة في الربع الأول من العام الحالي، حسبما أظهرت البيانات الرسمية التركية أخيرا، مما يعزز الآمال بوصول النمو السنوي إلى الضعف، ويتوقع نمو الاقتصاد التركي بنسبة 7 في المئة خلال عام 2010م ليصبح واحدا من أسرع الاقتصادات نموا، حيث نما الاقتصاد التركي في الربع الأخير من عام 2009م، وارتفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 7 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
ولتسهيل عمل المصارف الإسلامية في تركيا، يجب تفعيل جهود المؤسسات المالية والسلطات الرقابية وإيجاد البيئة الملائمة للمصرفية الإسلامية، والإسراع بتطوير المعايير الموحدة لتنظيم عملها، وتدريب الكوادر البشرية ووضع السياسات الكفيلة بصيغ التمويل لضمان استقرار النظم المالية، وإصدار الصكوك والبطاقات الإسلامية وإيجاد الأدوات الملائمة لإدارة السيولة لدى المصارف الإسلامية، وتحقيق مشاركتها في تمويل مشاريع البنى التحتية، وإيجاد الأطر الملائمة لضمان الودائع في المصارف الإسلامية، إضافة إلى إرساء وتفعيل نظام سليم للضبط الشرعي بكل مكوناته وتوحيد المرجعية الشرعية للعمل المصرفي الإسلامي في تركيا.
وتؤكد المصادر المالية التركية أنه على رغم من التقدم الذي حققته المصارف الإسلامية، الا أنها لا تزال تواجه تحديات في ضوء التطورات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والمنافسة القوية بين المصارف، الأمر الذي يفرض على هذه المؤسسات بناء استراتيجيات جديدة لتتمكن من الحفاظ على المكتسبات التي حققتها والبناء عليها مستقبلاً، مستفيدة من الخبرة التي اكتسبتها خلال المرحلة السابقة حيث إن المصارف الإسلامية في تركيا حققت خلال السنوات الماضية كثيرا من الإنجازات من خلال تقديمها عديدا من الأدوات والصيغ التمويلية وأساليب الاستثمار التي أصبحت جزءا مهما من النظام المصرفي التركي بما يلبي احتياجات المتعاملين من الأفراد والشركات.
ويأتي التوسع في مجال العمل المصرفي الإسلامي التركي مواكباً لمسيرة العمل المصرفي الإسلامي في الدول العربية والإسلامية للابتعاد عن التعامل مع المصارف التقليدية وما يدور حولها من جدل لا يزال مستمراً بين المصرفيين وعلماء الدين، مما أدى إلى تزايد أنشطة أعمال المصارف والمؤسسات الإسلامية، حيث إن العمليات المصرفية الإسلامية رسخت أقدامها في تركيا وأصبحت بديلاً شرعياً منافساً للتمويل التقليدي، ويتوقع أن يستمر التمويل الإسلامي في تركيا في نمو متزايد في ظل الاتجاه العام نحو الالتزام بالمبادئ الشرعية، والاستقرار السياسي والإصلاحات التي تجريها حكومة العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان.