هل تلقى قضايا التنمية الاهتمام اللازم أثناء المناقشات الجارية لإعادة هيكلة الاقتصاد الدولي؟

يسود اعتقاد بين عدد من الاقتصاديين في الدول النامية بأن الأزمة الاقتصادية الحالية قد حرفت مسار المناقشات الدولية من عملية ردم الفجوة التنموية بين الدول النامية والدول الصناعية إلى إيجاد حلول لمواجهة هذه الأزمة، ربما على حساب الدول النامية, مستندين في ذلك إلى أن الموارد الحكومية، وجهود المؤسسات الدولية قد تم توجيهها لاحتواء الأزمة على حساب مساعدات التنمية، وأن الدول الرئيسية بدأت تتسابق في وضع القيود على التجارة الدولية، وفي تخفيض أسعار صرف عملاتها. وقد دفع هذا الاعتقاد بعدد من اقتصاديي الدول النامية الأعضاء في مجموعة العشرين إلى إنشاء تجمع غير حكومي يحاول إبراز قضايا التنمية أمام القادة في اجتماعاتهم القادمة. استجابة لطلب من صديقي كمال درويش النائب السابق رئيس البنك الدولي والوزير السابق لمالية تركيا والمشرف على هذا التجمع، فقد أعددت الأفكار التالية:
أكد قادة دول مجموعة العشرين أثناء اجتماعهم الأخير في تورنتو في كندا ضرورة الاتفاق على خطة لدعم عملية النمو، فقد نص البيان الختامي لهذا الاجتماع على ما يلي:
''إننا ملتزمون باتخاذ إجراءات صارمة لدعم استمرار الانتعاش، ولإيجاد مزيد من الوظائف، ولتحقيق معدلات أقوى.... للنمو''. كما أضاف أن ''الأهمية القصوى لمجموعة العشرين تتمثل في وضع الأسس لنمو أكثر قوة وقابل للاستمرار ومتوازن''.
كيف يمكن تحويل هذا الالتزام القوي إلى خطة عمل موجهة بالدرجة الأولى لتلبية احتياجات الدول النامية في وقت تُظهر الإحصائيات أن معدل النمو الاقتصادي لهذه الدول كمجموعة, هو أعلى من معدلات النمو للدول الصناعية.
إن المؤسسات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية هي الأكثر تأهيلاً لمساعدة هذه الدول النامية على اختيار الأولويات الأكثر ملاءمة، والتأكد أن هذه الدول تتبنى البرامج المناسبة، وتنفذها لتحقيق الأهداف التنموية المطلوبة. وكلنا يتذكر أن هذه المؤسسات الدولية قد فقدت أهميتها كثيراً خلال العقدين الماضيين, إلا أن الأزمة الاقتصادية الحالية, ونضوب السيولة لدى البنوك الدولية, والموارد الإضافية الكبيرة التي تم توفيرها لهذه المؤسسات قد أهلتها، لأن تلعب الدور التنموي المطلوب.
لا شك أن عملية اتخاذ القرار الاقتصادي قد انتقلت من صندوق النقد الدولي, على سبيل المثال, إلى مجموعة العشرين, إلا أن الصندوق بفضل توفير مزيد من الموارد له, قد استطاع تحويل دوره إلى مركز لشحذ وانتقاء الأفكار، ومن ثم تقديمها لمجموعة العشرين.
هناك مجالان رئيسيان يمكن لمجموعة العشرين التطرق لهما إذا كانت راغبة في إحداث تغيرات إيجابية في اقتصاديات الدول النامية, وعلى الأخص الدول الأقل نمواً، وهما تمويل التنمية والمزيد من تحرير التجارة. وسألقي مزيداً من الضوء على هذا الموضوع .
أولاً: في مجال تمويل التنمية يمكن الإشارة إلى عده مشكلات:
أ - يمكن القول بأنه فيما عدا المساهمات الثنائية التي تقدمها الصين حالياً، فإن المساعدات الإنمائية الرسمية قد تقلصت بفعل تراكم الديون السيادية، وتفاقم العجوزات في الميزانيات الحكومية للدول المانحة الرئيسية.
ب - كما أن البنوك الدولية تواجه شحاً في السيولة نتيجة الأزمة الحالية, حتى لو كانت لديها سيولة كافية فإنها ستتردد في إقراض الدول النامية، نظراً للمتطلبات الجديدة لبازل 3.
ج - يضاف إلى ذلك أن البنوك الدولية ستواجه ازدحاماً في طلب الإقراض، نظراً للاحتياجات المتزايدة لتمويل الديون والعجوزات المتزايدة في ميزانيات الدول الصناعية، بحيث لا يتبقى هناك مجال لإقراض الدول النامية.
من جانب آخر، فإن هناك عوامل إيجابية تتمثل في أن مزيداً من الموارد قد تم توفيرها لصندوق النقد الدولي, كما أن البنك الدولي قد قام بمراجعة برامجه الإقراضية لتتلاءم مع احتياجات الدول الأقل نمواً.
لكن ما زال هناك عدد من المجالات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار:
فصندوق النقد الدولي عليه أن يتوسع في استخدام خطوط الائتمان المرنة، وهي التسهيلات التي أقرها حديثاً والتي لا يتطلب استخدامها أية (FCL) شروط, كما أن عليه أن يعيد النظر في شروط اللجوء إلى التسهيلات والقيود المفروضة على استخدامها. (PCL) الائتمانية الاحتياطي، كما أن هناك قضايا أخرى تهم الدول النامية، خصوصاً الناحية الديموقراطية، التي تعني ضم أمور أخرى وهي:
- إلغاء حق النقض الذي تتمتع به الولايات المتحدة، حيث إن لديها حالياً قرابة 17% من القوة التصويتية.
- إعادة النظر في التمثيل الجائر للدول الأوروبية التي لديها 9 مديرين تنفيذيين- من ضمنهم سويسرا- من مجموع المديرين التنفيذيين للصندوق البالغ عددهم حالياً 24 عضواً.
- زيادة الحصة والقوة التصويتية وعضوية مجلس المديرين التنفيذيين للدول الصاعدة والدول النامية الأخرى.
- جعل الشفافية والكفاءة هما المعيار الأساسي في اختيار كبار المسؤولين بما في ذلك رئيس الصندوق.
أما ما يخص البنك، فبالرغم من أنه سبق أن اتخذ قرارات منذ عام 1988 بزيادة رأسماله وبتغيير القوة التصويتية لصالح الدول النامية إلا أنه ينبغي تسريع هذه الإجراءات. كما أن هناك قضايا أخرى لدى البنك ذات أهمية للدول النامية ومنها:
- موضوع الأمن الغذائي الذي قام البنك بزيادة المواد المخصصة لبرنامجه المسمى ''البرنامج العالمي للاستجابة للأزمات الغذائية'' ليصل إلى ملياري دولار في عام 2009. هذا البرنامج ينبغي زيادة موارده مرة أخرى لكي يستطيع الاستجابة للاحتياجات الغذائية الجديدة. كما ينبغي توجيه مساعداته ليس فقط تجاه توفير الغذاء لهذه الدول وإنما مساعداتها على تطوير قطاعها الزراعي.
- إعادة توجيه برامج الجولة الـ16 الخاصة بحشد الموارد للوكالة الدولية التابعة للبنك الدولي بحيث توجه للبرامج ذات العلاقة المباشرة (IDA) للتنمية في الدول الأقل نمواً بما في ذلك التغير المناخي, وتمكين المرأة, ومساعدة الدول ذات الأوضاع السياسية المضطربة, وزيادة فاعلية برامج مساعدات التنمية عموماً.
وباختصار شديد، فإن على مجموعة العشرين أن تشجع التوجه إلى تحول مساعدات التنمية من المستوى الثنائي إلى المؤسسات الدولية مع تحديد أهداف رقمية يجب الوصول إليها، ووضع برامج موجهة إلى مجالات بعينها مثل محاربة الفقر, والقضاء على أنواع معينة من الأمراض مثل مرض السل, ونقص المناعة المكتسبة، والملاريا والتعامل مع المشكلات البيئية, وتحقيق أهداف المبادرة السعودية بتوفير الطاقة للفقراء.
ثانياً: في مجال التجارة الكل يعرف أن حرية التجارة في مصلحة جميع الأطراف، خصوصاً الدول النامية. لذا فمن الأهمية بمكان الوصول إلى نتائج مرضية لجولة الدوحة الهادفة إلى مزيد من تحرير التجارة، وعلى الأخص الاتفاق على تخفيضات كبيرة للإعانات التي تقدم للزراعة.
وتنبع أهمية هذه القضية نظراً لما بدأ يواجهه العالم من مشكلات كبيرة في مجال توفير الغذاء، إضافة إلى ذلك، فإن الدول الصاعدة وبقية الدول النامية تعد أكثر التزاماً ومراعاة للتقيد بقواعد منظمة التجارة العالمية، مقارنة بالدول الصناعية. عليه، فإن من الأهمية بمكان أن يقوم قادة مجموعة العشرين عندما يجتمعون في كوريا في أواخر هذا الشهر بمناقشة هذا الموضوع، ووضع الحلول اللازمة لذلك.
أشارت وسائل الإعلام إلى أن قمة العشرين في لندن أحجمت عن الالتزام بتحديد تاريخ معين لنهاية مفاوضات ناجحة لجولة الدوحة بسبب ضغوط أمريكية. وفي الوقت نفسه نشاهد الدول الصناعية مشغولة هذه الأيام بتوقيع اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة. إن هذا التناقض الذي نشهده بين الدعوات القوية لبناء نظام تجاري عالمي متحرر والجهود المستمرة للتوقيع على اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة يجب أن يتوقف. كما يجب أن تمتنع الدول الصناعية عن الممارسات الحمائية التي تلحق الضرر بالتجارة العالمية.
وأخيراً، وليس آخراً هناك ثلاث قضايا إضافية لا بد من الإشارة إليها:
1- تدور حالياً مناقشات حامية حول التخفيضات المتتالية لأسعار صرف العملات، وقد استحوذ هذا الموضوع على المناقشات الدائرة أثناء الاجتماعات السنوية الأخيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الأسبوع الماضي في واشنطن. كما أن هذا الموضوع سيكون بنداً رئيسياً على جدول أعمال الاجتماع القادم لقمة العشرين في كوريا في نهاية هذا الشهر، إن الجانب الإيجابي لهذه المناقشات يكمن في أن موضوع إصلاح النظام النقدي الذي أهمل تماماً خلال الاجتماعات السابقة لقمة العشرين قد بدأ الآن يأخذ حقه من الاهتمام، ما يفرض اتخاذ قرار ما بشأنه. إن السباق الجاري حالياً بين الشركاء التجاريين لتخفيض أسعار صرف quantitative easing عملاتهم إما مباشرة أو عن التدخلات الكمية (وهو نوع من أنواع طباعة مزيد من العملات الورقية عن طريق شراء أصول البنوك والشركات من قبل البنوك المركزية)، وسيعمل على تخريب النظام التجاري الدولي الحالي طالما أن جهات ما أو دول ما في النهاية ستكون هي الخاسرة, وفي الغالب ستكون الدول النامية هي من سيخسر.
2 – كما أن نتائج المناقشات الدائرة حالياً بين الذين يؤيدون تشجيع النمو عن طريق ضخ مزيد من الأموال العامة لتحفيز الاقتصاد، وأولئك الذين ينادون بضرورة حل مشكلة العجز أولاً, سيكون له تأثير مباشر هو الآخر, على الدول النامية، فإن أوقفت برامج التحفيز، فإن النمو الاقتصادي سيكون أقل، ومن ثم صادرات الدول النامية ستكون أقل. أما إذا استمر ضخ الأموال العامة, الذي سيكون أغلبها عن طريق التدخلات الكمية، (والذي هو نوع من أنواع طباعة نقود جديدة)، فإن الدول النامية quantitative easing، التي لم تصل عملاتها إلى مرحلة التدويل, ستكون هي أكبر الخاسرين.
3- إن قضية الطاقة وعلى الأخص البترول والغاز, تأخذ عادة مكان الصدارة في المؤتمرات واللقاءات الدولية. ويكون التأكيد عادة في تلك المؤتمرات على أمن الإمدادات، ويؤكد المنتجون الرئيسيون في كل مناسبة على التزامهم بتوفير الكميات اللازمة من الطاقة لكي يستمر الاقتصاد العالمي في النمو. وللوفاء بهذه التعهدات نجدهم يقتطعون من مدخراتهم التي هي في أمس الحاجة إليها لتمويل برامجهم التنموية, لتوجيهها نحو الاستثمار لتوفير طاقة إنتاجية إضافية كافية لمواجهة أية انقطاعات محتملة للإمدادات. إن هؤلاء المنتجين يحتاجون إلى التأكد من أن هناك طلبا في المستقبل يبرر استثماراتهم الكبيرة في هذا القطاع الحيوي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي