البطء في اتخاذ القرارات وتأخر التنفيذ محاولة للفهم واقتراحات للمضي قدما
بمناسبة انعقاد الدورة الحادية والثلاثين للمجلس الأعلى في مدينة أبو ظبي التي شهدت انطلاق المجلس قبل ثلاثين عاما، لا بد من المراجعة الدورية للمسيرة؛ لمدها بالحيوية اللازمة ولحمايتها من العثرات. ومن الملاحظات الدائمة التي يواجهها المتابع والمستفيد والممارس واحدة على قدر من الأهمية، وهي تأخر المجلس في إصدار القرارات التكاملية وتأخر الدول في التنفيذ. فهناك بطء شديد في اتخاذ القرارات التكاملية داخل المجلس، سواء تلك المتعلقة بتنفيذ التزامات واردة في وثائق المجلس كالنظام الأساسي أو الاتفاقية الاقتصادية، أو في سَنّ قانون جديد على مستوى دول المجلس بحيث يقرّ العمل به استرشاديا إلى أن يشاء الله تحويله إلى قانون إلزامي، أو في إنشاء جهاز جديد في إطار المجلس، أو في تبني مشروع مشترك جديد. فعلى سبيل المثال ما زالت العملة الموحدة تراوح مكانها، رغم الدراسات والاستشارات الفنية التي بدأت بدراسة من صندوق النقد الدولي في عام 1988، ثم تبع ذلك تقرير وافٍ ومشاورات مكثفة قام بها محافظ بنك فرنسا المركزي عام 1990، ثم الدراسات المعمقة التي قام بها البنك المركزي الأوروبي وما تلى ذلك من اجتماعات متتالية وإنشاء مجلس للنقد ما زال يراوح مكانه. كما استغرق مشروع الربط الكهربائي أكثر من عشرين سنة منذ اقتراحه كفكرة إلى أن أنشئ له جهاز يعنى بمتابعة المشروع. واستغرق إنشاء مركز التحكيم التجاري في البحرين ثماني سنوات منذ أن طرحته البحرين كفكرة إلى أن تم إنشاؤه رغم أنه يموَّل من قِبل غرف التجارة وليس الحكومات. كما لاحظ المراقبون والمعنيون أن معظم دول المجلس تتأخر في تنفيذ القرارات التي يصدرها المجلس على مستوى القادة. ولعل أفضل طريقة لمعالجة هذا الوضع هي إيجاد تفسير لذلك أولا، ثم تقديم بعض المقترحات لمعالجة هذه الظاهرة التي بدأت تؤثر على مصداقية المجلس ومدى قدرته على تحقيق الطموحات المرجوة منه.
1 – إن اتخاذ أي قرار في إطار مؤسسة عائلية أو ضمن شركة أو على مستوى أي دولة هو أسهل بكثير من اتخاذ أي قرار من قبل عدد من الدول مجتمعة؛ إذ ينبغي أن تقتنع كل دولة على حدة بسلامة القرار وفائدته لكل مؤسساتها مجتمعة قبل أن توافق عليه في الإطار الجماعي.
2 – إن جميع قرارات المجلس - كما يعرف الجميع – ينبغي أن تتخذ بالإجماع، بما في ذلك القرارات التي تسمح لبعض الدول باتخاذ خطوات أكثر تقدما؛ لذا ينبغي أن تقتنع كل دولة بمفردها بسلامة مشروع القرار المطروح وفائدته لها هي بالذات.
3 – إن مجلس التعاون هو ترتيب إقليمي لدول ذات سيادة. وعليه فإن لكل دولة الحق في اتخاذ ما تراه مناسبا لها وحدها بما، في ذلك عدم الموافقة على أي مشروع قرار مطروح أو التنصل من تنفيذ أي قرار سبق اتخاذه.
4 – ليست هناك صلاحيات سيادية للأمانة العامة لمجلس التعاون التي لم ترق إلى مؤسسة فوق الوطنية كما هو حاصل للمفوضية الأوروبية التي لديها صلاحية البت في القضايا التجارية Supra – national على سبيل المثال. صحيح أن وثائق المجلس تنص أن لها الأولوية في التطبيق على القرارات الوطنية، إلا أنه ليس بالضرورة أن ذلك ما يتم فعليا. وما ينطبق على الأمانة العامة يمكن أن ينسحب عل بقية أجهزة المجلس.
5- لقد درج المجلس على الطلب من الدول الأعضاء إصدار تعليمات تنفيذية لأية قرارات يتخذها المجلس؛ لسببين:
الأول: هو التأكيد من أن الأجهزة التنفيذية قد وصلتها تعليمات محددة بالتنفيذ.
الثاني: هو التأكيد على سيادة الدول في اتخاذ القرارات الوطنية. لكن الدول في كثير من الأحيان تتأخر في إصدار مثل هذه التعليمات التنفيذية، وعندما تصدرها قد يتأخر وصولها إلى جهات الاختصاص.
وللمضي قدما لا بد من مراجعة هذا النهج حماية للمجلس ومساهمة في اندفاعه وإعادة الثقة في مسيرته. وفي هذا الإطار يمكن التقدم ببعض المقترحات:
1 – لا بد من وجود نصوص في القوانين والأنظمة المحلية لكل دولة تؤكد أن لقرارات المجلس (بما في ذلك قرارات المجلس الأعلى والاتفاقيات الموقعة في إطارها) الأسبقية على القوانين والأنظمة الوطنية.
2- تطوير أجهزة المجلس، بما في ذلك المجلس الأعلى والمجلس الوزاري والأمانة العامة، بحيث تكتسب صفة المؤسسات فوق الوطنية، وما يستتبع ذلك من إعادة النظر في اعتماد ميزانيات الأجهزة الجماعية والصرف منها.
3 – التوسع في تطبيق السير بسرعات مختلفة حتى تتقدم بعض الملفات ويدخل عنصر تنافسي جديد قد يسهم في المزيد من حيوية المجلس.
4- إن أجهزة فض المنازعات الحالية، خصوصا في القضايا الاقتصادية، هي أجهزة منبثقة عن الإدارات الحكومية التي هي طرف في تلك المنازعات. وحتى تكتسب هذه الأجهزة المصداقية اللازمة لا بد أن تكون مستقلة تمام الاستقلال عن الدوائر الحكومية التي أسهمت في بروز المنازعات.
5 – لا بد من تسليط المزيد من الضوء إعلاميا على المشاكل التي يواجهها تطبيق قرارات مجلس التعاون وتحميل كل دولة نصيبها من التقصير للضغط على الدول لكي تنفذ قرارات المجلس.